قال: [فاحذروا -رحمكم الله- من يقول: أنا مؤمن عند الله وأنا مؤمن كامل الإيمان، ومن يقول: إيماني كإيمان جبريل وميكائيل فإن هؤلاء مرجئة، أهل ضلال وزيغ وعدول عن الملة].
إن الصحابة رضي الله عنهم، مع أنهم بشروا بالجنة، فالذي بشر بالجنة بالاسم والعين كان يخشى على نفسه النفاق، ولا يأمن عاقبة الأمور.
قال: [قال الأوزاعي: ثلاث كلهن بدعة: أنا مؤمن مستكمل الإيمان]، أي: من قال ذلك فهو مبتدع؛ ومذهب أهل السنة والجماعة الاستثناء في الإيمان، يعني: إذا سئلت: هل أنت مؤمن؟ فقل: أرجو أن أكون مؤمناً، أو قل: نعم إن شاء الله، ليس على سبيل الشك.
قال: [وأنا مؤمن حقاً، وأنا مؤمن عند الله عز وجل].
[وقال شريح بن النعمان سألت يحيى بن سليم الطائفي ونحن خلف المقام: أي شيء تقول المرجئة؟ قال: يقولون: ليس الطواف بهذا البيت من الإيمان]؛ يعني: لأنهم يخرجون العمل عن مسمى الإيمان وحقيقته.
قال: [وعن نافع بن عمر بن جميل القرشي قال: كنت عند عبد الله بن أبي مليكة، فقال له بعض جلسائه: يا أبا محمد! إن ناساً يجالسونك يزعمون أن إيمانهم كإيمان جبريل.
قال: فغضب ابن أبي مليكة وقال: والله ما رضي الله لجبريل حين فضله بالثناء على محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:19 - 22] يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، أفجعل إيمان جبريل وميكائيل كإيمان فهدان؟].
أي: وفهدان رجل ممن أدرك ابن أبي مليكة وكان يعيش في زمانه، وكان رجلاً ماجناً يشرب الخمر ولا يكاد يفيق من السكر، فهو يقول لهم: أتتصورون أن إيمان فهدان مثل إيمان جبريل وميكائيل؟ أي: أترضون لي أن أقول أن إيمان شخص لا يكاد يفيق من السكر كإيمان جبريل وميكائيل؟ [وقال نافع: وقد رأيت فهدان رجلاً لا يصحو من الشراب]، يعني: لا يكاد يفيق من السكر، والمرجئة يزعمون أن فهدان كجبريل وميكائيل! ليس بينهما أي تقارب في الإيمان.
[وقال نصر بن المثنى الأشجعي كنت مع ميمون بن مهران فمر بجويرية]، أي: ببنت صغيرة، [وهي تضرب بالدف وتقول: وهل علي من قول قلته من كنود؟] أي: اللوم والتوبيخ: {إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات:6]، يعني: متنكراً لحكم الله عز وجل، ومع هذا هو لحب الخير الذي يأتي من عند الله لشديد، فإذا وصلته النعمة تنكر لها، وظن أن ذلك باجتهاده وعمله.
فهذه الجويرية عند أن ضربت بالدف تقول: وهل علي من قول قلته من كنود؟ أي: هل يستطيع أحد منكم أن يقول: هذا القول فيه عتاب أو ملامة؟ [فقال ميمون: أترون إيمان هذه كإيمان مريم بنت عمران]، يعني: هل إيمان هذه الجويرية التي تغني وتضرب بالدف كإيمان مريم ابنة عمران [قال: والخيبة لمن يقول: إيمانه كإيمان جبريل].
[وقال الوليد بن مسلم: سمعت أبا عمرو ومالكاً وسعيد بن عبد العزيز يقولون: ليس للإيمان منتهى، هو في زيادة أبداً، ويقولون على من يقول: إنه مستكمل الإيمان وأن إيمانه كإيمان جبريل، قال: قال الوليد: قال سعيد بن عبد العزيز: هو أن يكون إذا أقدم على هذه المقالة إيمانه كإيمان إبليس؛ لأنه أقر بالربوبية وكفر بالعمل، فهو أقرب إلى ذلك من أن يكون إيمانه كإيمان جبريل عليه السلام].
[وعن حذيفة أنه قال: تفترق هذه الأمة حتى تبقى فرقتان من فرق كثيرة، تقول إحداهما: ما بال الصلوات الخمس، لقد ضل من كان قبلنا؟] يعني: فرق الضلال تأتي وتقول: ما هذه الصلوات الخمس؟ إنما هما صلاتان فقط! قال: [وتقول الأخرى: إنا مؤمنون كإيمان الملائكة، ما فينا كافر ولا منافق، حقاً على الله تعالى أن يحشرهم مع الدجال]، يعني: هؤلاء دجاجلة وهم يستحقون أن يكونوا أتباعاً للدجال، لا للنبي محمدٌ عليه الصلاة والسلام.
[وقال ابن مسعود رضي الله عنه: يقولون: ما فينا كافر ولا منافق؟! جذ الله أقدامهم]، يعني: قطع الله أقدامهم.
[وقال وكيع: القدرية يقولون: الأمر مستقبل، إن الله لم يقدر المصائب والأعمال].
أي: أن الله سبحانه وتعالى لم يكتب أعمال العباد إلا بعد أن وقعت، أليست القدرية هم الذين يقولون: لا قدر وأن الأمر أنف؟ أي: مستأنف، والله تعالى لا يعلمه إلا بعد أن يقع، هكذا تقول القدرية، يقولون: الله تعالى لا يعلم الأعمال إلا بعد وقوعها، أما قب