قال: [هذا أبو جهل قد عرف بقلبه وعلم أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلزم صاحب هذه المقالة]، وهي: الإيمان قول بلا عمل، أو الإيمان معرفة بلا قول، [أن يلحقه في الإيمان بأهل بدر والحديبية وأصحاب الشجرة من أهل بيعة الرضوان، غضب الله على صاحب هذه المقالة، وأصلاه ناراً خالداً فيها، فإنه لم يفرق بين الحق والباطل، ولا بين المؤمن والكافر، ولا بين الصالح والطالح].
[وعن الزهري قال: قال لي هشام] لعله هشام بن سالم الجواليقي أو هشام بن سالم بن الحكم وهما من أصحاب البدع، [أبلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر منادياً فنادى: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)]، أي: يا من تظن أنك إمام من أئمة أهل السنة، ألم تسمع كلام النبي عليه الصلاة والسلام: (أنه أمر منادياً في الناس ينادي: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة).
فـ هشام الجواليقي يحتج عليه بأنه على حق؛ بدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)، ولم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب عملاً من الأعمال.
قال الزهري: [فقلت: نعم وذاك قبل نزول الفرائض]، أي: هذا الكلام كان بمكة قبل نزول الفرائض، [ثم نزلت الفرائض، فينبغي للناس أن يعملوا بما افترض الله عز وجل عليهم].
[وعن الضحاك بن مزاحم قال: ذكروا عنده: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)، فقال الضحاك: هذا قبل أن تحد الحدود، وتنزل الفرائض]، أي: فلابد من التزام ما أمر وترك ما نهى.
[وقال الحسن البصري: لو شاء الله عز وجل لجعل الدين قولاً لا عمل فيه، أو عملاً لا قول فيه، ولكن جعل دينه قولاً وعملاً، وعملاً وقولاً، فمن قال قولاً حسناً، وعمل سيئاً رد قوله على عمله، ومن قال قولاً حسناً وعمل عملاً صالحاً رفع قوله عمله، يا ابن آدم، قولك أحق بك].
[وعن مبارك بن حسان: قال: قلت لـ سالم الأفطس]، وهو صاحب بدعة الإرجاء، [رجل أطاع الله فلم يعصه، ورجل عصى الله فلم يطعه، فصار المطيع إلى الله فأدخله الجنة، وصار العاصي إلى الله فأدخله النار، هل يتفاضلان في الإيمان؟ قال: لا، فذكرت ذلك لـ عطاء فقال: سلهم، الإيمان طيب أم خبيث؟ فإن الله تعالى قال: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأنفال:37]، قال: فسألتهم فلم يجيبوني].
يعني: الإيمان شيء طيب أم شيء خبيث؟ فإن قالوا: خبيث، فصاحب الخبيث من الخاسرين، ويحتج عليهم بالآية، وللعلم أن هؤلاء كانوا علماء، ولم يكونوا جهلة، كان الواحد منهم ينظر في وجه العالم من أهل السنة فربما يعرف حجة صاحب السنة قبل أن يقولها، فيعد لها جواباً ملتوياً بعيداً عن الحق.
عند أن تقرأ لشخص مثل أبي إسحاق النظام الذي هو إبراهيم بن سيار المعتزلي صاحب البدعة، يحتار عقلك وتحتاج أن تقف عند كل جملة، وتترحم على شيخ الإسلام ابن تيمية الذي فضحه وعراه وأظهر فساد قوله، وكان ابن تيمية يصطدم معه بمواقف ويناظره فيها فغلبه، فتقول: أكان إبراهيم النظام يقصد هذا الكلام؟ وكيف فهم ابن تيمية هذا الفهم؟ فتدرك حقيقة ما كان عليه ابن تيمية من إيمان وتقوى وعلم وعمل، ابن تيمية فضح جميع الفرق، ما ترك فرقة من فرق الضلال إلا وعراها، وبين فسادها وعوارها، وأن بضاعة جميع الفرق مزجاة كاسدة لا قيمة لها؛ لأنها مخالفة للكتاب والسنة.
قال: [فقال سالم: إنما الإيمان منطق ليس معه عمل]، يعني: الإيمان هذا طيب أم خبيث؟ لا تقل لي: الإيمان منطق، أنا أريدك أن تقول: إما طيب وإما خبيث.
فلو قال طيباً فالناس يتفاضلون في الطيب، ولو قال خبيثاً لكفر؛ لأن الإيمان لا يكون خبيثاً، فقال هروباً من الإجابة: إن الإيمان منطق ليس معه عمل، يريد أن يقول: الإيمان قول ليس معه عمل.
قال: [فذكرت ذلك لـ عطاء فقال: سبحان الله! أما تقرءون الآية التي في سورة البقرة: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177].
فالآية الأولى حجة للمرجئة، وهي أن البر هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه وغير ذلك، فهذا هو كلام المرجئة، لكن الله عطف على ما ذكر: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} [البقرة:177]، ليس البر أن تولوا، ولكن البر أن تؤم