استدل الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري في الجزء الثاني عشر على عدم كفر مرتكبي الكبائر بدليل عقلي، فقال: اختلاف مقادير الحد.
يعني: أن حد الشارب غير حد الزاني وغير حد السارق وغير حد القاتل، فليست الحدود واحدة، بل مختلفة.
يقول: واختلاف مقادير الحد في الزنا مثلاً باختلاف أحوال الزاني ككونه حراً وعبداً، وكونه محصناً أو غير محصن، فلو كان الذين يرتكبون هذه المعصية كفاراً لتساوت في حقهم إقامة الحدود، أي: لو كفر بارتكابه الذنب فيستوي أن يكون حراً أو عبداً، رجلاً أو امرأة، محصناً أو غير محصن، لأن الكفر شيء واحد، فلا يختلف الحد، فاختلاف الحد دليل على أنه ليس بكافر، كما أن اختلاف الشهود في العقوبات يدل على أن الكبائر كلها ليست مخرجة من الإيمان.
قال: فلو كان من يرتكبون هذه المعصية كفاراً لما اختلفت مقادير الحد عليهم؛ حيث يتساوى المكلفون جميعاً في حد الكفر، وهو القتل، كما قال عليه السلام: (من بدل دينه فاقتلوه).
وإذا كان السارق يكفر بسرقته، والقاتل يكفر بردته، والزاني يكفر بزناه، فكيف جعل الإسلام لهؤلاء الكفار جميعاً حدوداً مختلفة؟ والأصل أن من وقع في ردة أو كفر كان عقابه واحداً مهما اختلف العصاة واختلفت أوصافهم وأعدادهم.
وأصحاب البدع أكثرهم يقول بكفرهم، مع أن الله تعالى يقول: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38].
ولو كانوا كفاراً لقال تعالى: اقطعوا رقابهما؛ لأنهما كافران.
والله تعالى يقول: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ} [البقرة:178]، فسماه أخاً رغم أنه قاتل.
{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178]، وهذا الكلام لا يمكن أن يكون مع كافر، ولا أدري كيف يرد هؤلاء على هذه الآيات أو الأحاديث الصحيحة.
قال الحافظ: ومن أقوى ما يحمل على ترك ظاهره إيجاب الحد بالزنا على أنحاء مختلفة في حق الحر المحصن والحر البكر وفي حق العبد، أي: فلو كان المراد بنفي الإيمان الكفر لاستووا في العقوبة؛ لأن المكلفين فيما يتعلق بالإيمان والكفر سواء، فلما كانت العقوبة مختلفة دل ذلك على أن مرتكب ذلك ليس بكافر حقيقة.