قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال ابن طاوس في هذا الحديث عن أبيه: إذا فعل ذلك زال عنه الإيمان]، يعني: قال طاوس اليماني: إذا وقع في هذه الذنوب زال عنه الإيمان، [وقال: الإيمان كالظل]، يعني: يذهب شيئاً فشيئاً، ولا يذهب دفعة واحدة، وإنما يذهب شيئاً فشيئاً، وهكذا الإيمان، فإذا أذنب العبد ذنباً ذهب عنه نور الإيمان شيئاً فشيئاً.
[وعن الأوزاعي قال: قلت للزهري حين ذكر هذا الحديث: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، قلت له: إنهم يقولون: فإن لم يكن مؤمناً فما هو؟ أي: إن المعتزلة والخوارج يقولون: إذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)]، فإذا نفى عنه النبي الإيمان لم يبق له إلا الكفر، فهنا الأوزاعي ينقل إلى الزهري قول الخوارج الذين يقولون: إن مرتكب الكبيرة كافر، والخوارج يقولون: هذا حكمه في الدنيا والآخرة، وهو من المخلدين في النار، والمعتزلة يقولون: هو في الدنيا لا مؤمن ولا كافر، فلا يثبتون له الإيمان ولا الكفر، وأما في الآخرة فإنهم يقولون بتخليده في نار جهنم.
وهذا يناقض ما عليه أهل السنة والجماعة، لأن المرء لا يمكن أن يحكم عليه بهذا، بل لابد أن يكون مؤمناً أو كافراً، يعني: إما أن يكون مؤمناً بإيمانه، أو فاسقاً بذنوبه التي أهلته لدرجة الفسق.
ولذلك فأهل السنة والجماعة يقولون: إن المرء قد يجمع لنفسه إيماناً وفسقاً، فالطاعات مصدرها الإيمان، والذنوب تؤدي إلى الفسوق، والمؤمن يفعل الطاعة وقد يفعل المعصية، فيكون مؤمناً بطاعته فاسقاً بكبيرته، ولا يكفر.
فلما [قال الأوزاعي للزهري: فإن لم يكن مؤمناً فما هو؟ أنكر ذلك وكره مسألته].
والإمام الأوزاعي من عظماء أئمة السنة، وهو بيروتي لبناني، وكان دائماً متصدياً للملاحدة والمنحرفين في تلك البقعة الطيبة من الأرض، ولم يكن في زمن الأوزاعي من يدانيه، فضلاً عن أن يساويه في العلم والعمل والورع، فلما سمع بـ الزهري وهو أكبر منه، قال: إنهم يقولون إذا لم يكن مؤمناً في حال وقوعه في الذنب، فماذا يكون؟ وكأنه يعرض بكلام الخوارج، كما قالوا لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذا كنت رفضت أن تكون أمير المؤمنين فلا بد أن تكون أمير الكافرين.
وجعلوا الكلام في مسائل الإيمان والكفر كالكلام في الرياضيات والحسابات، مثل 1+1=2، ولا يمكن إثبات أنهما أكثر من اثنين أو أقل من اثنين أحياناً، فالمسائل الإيمانية والفطرية لا تقاس بالطريقة الحسابية.
وقوله: (حين ينتهبها) ظرف زمان، فيقولون: إن الإيمان يزول عنه في وقت ارتكابه لهذه الذنوب، فإذا خرج من ذنبه عاد إليه الإيمان وراجعه.
[وعن الحسن قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ينزع منه الإيمان، فإن تاب أعيد إليه الإيمان)] أي: يزول عنه الإيمان ما دام على الذنب.
وإذا قال الحسن عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو مرسل، ومراسيل الحسن البصري من أضعف المراسيل.
عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم: ينزع منه الإيمان فإن تاب أعيد إليه الإيمان.
[وعن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قال عبد الله بن الزبير: (بينما أنا عندها إذ مر برجل قد ضرب في الخمر على بابها)]، يعني: ضرب الحد في شرب الخمر.
[(فسمعت حس الناس، فقالت: أي شيء هذا؟)]، أي: علام هذا الصياح؟ [(قلت: رجل أخذ سكراب من خمر فضرب، فقالت: سبحان الله! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يشرب الشارب حين يشرب وهو مؤمن -تعني: الخمر- ولا يزني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب منتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها رءوسهم وهو مؤمن، فإياكم وإياكم)].
[وعن ابن عباس موقوفاً عليه قال: (لا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن)].