قال: [عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)]، أي: في الوقت الذي يزني فيه لا يكون مؤمناً، أو ينزع عنه الإيمان، كما لو كان لابساً ثوباً فنزعه، ثم لبسه مرة أخرى، فهو حين ارتكابه لهذا الذنب ينزع عنه الإيمان كما يخلع ثوبه، فإذا تاب إلى المولى عز وجل عاد إليه الإيمان كما لو عاد هو للبس ثوبه.
[(ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: ولا ينتهب نهبة يرفع الناس أبصارهم إليه فيها وهو مؤمن حين ينتهبها].
وقد صحت هذه اللفظة مرفوعة من قوله عليه الصلاة والسلام.
والنهبة هي أخذ الأموال غلولاً أو أخذ الأموال ظلماً أو غير ذلك، فيقال للشيء اليسير: نهبة إذا انتهبها، ويقال كذلك للشيء العظيم: نهبة إذا انتهبها، ولكن لما كان الشيء اليسير حقيراً لدى أهله ومجتمعه لم يكن داخلاً في هذا الوعيد.
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا قطع في أقل من ربع دينار).
فمن سرق أقل من ربع دينار فما دون ذلك لم يقطع، وإنما القطع في ربع دينار فما فوقه، وإن كان الكل يطلق عليه سرقة، ولكن ليس من سرق جنيهاً كمن سرق ألفاً، ولا من سرق ألفاً كمن سرق ملايين، وإن كانت كلها يطلق عليها سرقة، ولكن لا يقام على السارق الحد إلا إذا توفرت فيه شروط السرقة، ومنها: أن يبلغ المسروق بلغ ربع دينار فصاعداً، والدينار تقريباً حوالي مائة وثلاثين جنيهاً؛ لأن الدينار هو الدينار الذهبي، وأن يكون المسروق من حرز، يعني: في مكان محفوظ ومغلق عليه، وأتى هذا السارق وقطع هذا الحرز وأخذ منه ما بداخله.
وأما لو وجده ملقى في الشارع فالتقطه فلا يقال لمثله: سارق، وإنما يقال له: ملتقط؛ لأنه التقط شيئاً من الأرض وهذا يدخل في حكم اللقطة.
قوله: (ولا يشرب الخمر حين يشربها)، أي: حين يشربها عامداً عالماً بأنها خمر.
(ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم)، أي: يقولون: إن فلاناً ينهب مال فلان، أو يأخذ مال فلان، وهذا شيء عظيم، بدليل أن الناس فزعوا لما وقع منه هذا، وجلسوا ينظرون إليه ويتطلعون إلى فعله.
فهذا لا يكون مؤمناً في وقت فعله لهذا.
ومن نفس طريق [أبي هريرة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه أبصارهم فيها حين ينتهبها وهو مؤمن)].
[وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الحدود يعني الخمر)، أي: لا يشرب ما يستوجب الحد.
[(حين يشربها وهو مؤمن، والذي نفس محمد بيده لا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع إليه المؤمنون أعينهم فيها وهو حين ينتهبها مؤمن، ولا يغل حين يغل وهو مؤمن، فإياكم إياكم).
والغلول مهما قل فهو غلول، وهو يختلف عن النهبة وعن السرقة، وإن كان الكل أخذاً لمال الغير، فالنهبة أخذ مال الغير، والسرقة أخذ مال الغير، والغلول أخذ مال الغير، ولكن كل واحد منها له مصطلح يخصه، وأحكام تحدد معالمه.
فالغلول هو الأخذ من الغنيمة قبل توزيعها، وقد كان للنبي عليه الصلاة والسلام مولى مجاهد، فلما قتل في المعركة قال الصحابة: (هنيئاً له؛ إنه مولى رسول الله، وإنه شهيد، وإنه في الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده إني لأراه الآن في نار جهنم، قيل: ولم يا رسول الله ألم يمت شهيداً؟! قال: إنما حجزه بردة غلها)، أي: كساء أو ثوب أو عباءة غلها وأخذها من الغنيمة، قال: (وإني لأراها الآن عليه تشتعل ناراً).
مع أن ثمنها قليل جداً، فالمرء يعذب بكل شيء مهما دق، حتى وإن كان عوداً من أراك، أي: ليس عوداً كاملاً من أراك، وإنما العود الصغير يعذب به المرء؛ لأنه نهبة أو سرقة أو غلول، قال: (فإياكم وإياكم)، يعني: احذورا هذه المعاصي.
وفي رواية قال: (والتوبة معروضة بعد)، يعني: من وقع منه ذنب من هذه الذنوب أو من غيرها، فإن باب التوبة مفتوح أمامه، إما باب التوبة العامة أو الخاصة، فباب التوبة العامة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها على غير عادتها، وهذا من أواخر علامات الساعة الكبرى.
وأما باب التوبة الخاصة فهو مالم تبلغ الروح الحلقوم وما لم يغرغر المرء، و (إن الله يقبل التوبة عن عبده ما لم يغرغر)، أي: فحينئذ لا تقبل توبته.