وقال الإمام أبو الحسن علي بن خلف بن بطال المالكي المغربي في شرح صحيح البخاري: مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، والحجة على زيادته ونقصانه ما أورده البخاري من الآيات في كتاب الإيمان عنده.
قال الله تعالى: {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:4] فقوله: ((مَعَ إِيمَانِهِمْ)) يعني: الأصل هو الإيمان، ثم ازدادوا عليه إيماناً آخر.
إذاً: عندنا أصل الإيمان وهو مطلق الإيمان، ثم الإيمان المطلق وهو الإيمان الزائد.
{لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:4] يعني: أن معهم قدراً من الإيمان، وازدادوا عليه إيماناً بالعمل.
وقول الله تعالى: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:13]، وقال الله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم:76]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد:17]، وقال تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر:31]، وقال تعالى: {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا} [التوبة:124]، {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [التوبة:124]، فقد أثبت لهم الإيمان، {فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة:124].
إذاً: المرء يكون معه أصل الإيمان، وكلما نزلت آية آمن بها وأقر وصدق أنها من عند الله وعمل بها؛ ازداد بذلك إيماناً.
وقال تعالى: {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} [آل عمران:173]، وقال تعالى: {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:22].
قال ابن بطال: فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص، واعلم أن أي شيء يقبل الزيادة فلابد أن يقبل النقصان، ولذلك قال إبراهيم بن عيينة لأخيه سفيان لما قال: الإيمان يزيد وينقص؟ قال: يا أبا محمد! قل يزيد، قال: اسكت، إنما ينقص حتى لا يبقى منه شيء.
إذاً: الزيادة والنقصان في الإيمان متصوران، ومادام الإيمان يقبل الزيادة فلابد أن يقبل النقصان، هذا شيء طبيعي جداً، حتى في حياة الخلق، فالذي يقبل الزيادة لابد أن يقبل النقصان؛ لأنه قبل أن يزيد كان ناقصاً.
قال: فإن قيل: الإيمان في اللغة هو التصديق، ف
صلى الله عليه وسلم أن التصديق يكمل بالطاعات، وهذا الكلام الذي قلته يحتاج إلى نظر أولاً؛ لأنه قال: إذا كان الإيمان هو التصديق فلا يتصور فيه الزيادة ولا النقصان؛ لأنه لا يزيد، يعني: هل سيصدق مرتين أو يصدق ثلاثاً؟ هو تصديق واحد، كما أنه لا يقبل النقصان؛ لأنه لا يقبل النقصان إلا إذا شك، والشاك ليس مؤمناً أصلاً، فهذا يعتبر التعريف اللغوي، مع أنه من جهة الشرع يحتاج إلى نظر، ولذلك قال ابن بطال: إذا كان الإيمان في اللغة هو التصديق، ف
صلى الله عليه وسلم أن التصديق يكمل بالطاعات، يعني: حتى التصديق يقبل الزيادة، ويكون بالطاعات كلها.
فما ازداد المؤمن من أعمال البر كان إيمانه أكمل، وبهذه الجملة يزيد الإيمان، وبنقصانها ينقص، فمتى نقصت أعمال البر من المستحبات والمندوبات نقص معها كمال الإيمان.
ومتى زادت زاد الإيمان كمالاً وتماماً، هذا توسط القول في الإيمان.
يعني: هذا هو القول المعتدل فيما يتعلق بتعريف الإيمان.
وأما التصديق بالله تعالى ورسوله فلا ينقص، ولذلك توقف مالك رحمه الله في بعض الروايات عن القول بالنقصان، إذ لا يجوز نقصان التصديق؛ لأنه إذا نقص صار شكاً وخرج عن اسم الإيمان.
وقال بعضهم: إنما توقف مالك عن القول بنقصان الإيمان خشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج الذين يكفرون أهل المعاصي من المؤمنين بالذنوب، وقد قال مالك بنقصان الإيمان وزيادته مثل جماعة أهل السنة، وقول مالك في ذلك مشهور، لكنه قال: الإيمان بالله ورسوله هو التصديق الذي لا يتصور معه النقصان.
لأنني مؤمن بالرسول عليه الصلاة والسلام، والإيمان بالرسول هو التصديق بأنه أرسل من عند الله عز وجل، أيصح أنني في يوم من الأيام أشك في أن الله تعالى أرسله؟ لو شككت لحظة واحدة في أن الله أرسل محمداً لكفرت بذلك.
فقالوا: إنكار مالك أن الإيمان هو التصديق في باب الإيمان بالله ورسوله فقط، وأن ذلك يتصور النقصان إلا إذا شك، وهو كلام يحتاج إلى تأويل.
وعلى أية حال! ثبت أن الإمام مالكاً رحمه الله قال بنقصان الإيمان وزيادته كما قاله جماعة أهل السنة.
قال عبد الرزاق: سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا -الذين هم سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبيد الله بن عمر و