وأما الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل التميمي الأصبهاني الشافعي في كتابه التحرير في شرح صحيح مسلم فقال: الإيمان في اللغة هو التصديق، فإن عمل به ذلك فلا يزيد ولا ينقص.
فهو يريد أن يعرف الإيمان في اللغة: بأنه التصديق، وهو على هذا التعريف ليس فيه زيادة ولا نقصان، وهذا كلام يحتاج إلى نظر وتحرير، حتى لو عرفنا أن الإيمان في اللغة هو التصديق، فنقول: كذلك التصديق يقبل الزيادة والنقصان، فلو أن واحداً أخبرني خبراً وكان ثقة صدقته، ولو دخل رجلٌ آخر وأخبرني بنفس الخبر وهو ثقة ازددت تصديقاً لخبر الأول، حتى لو عرفنا الإيمان في اللغة بأنه التصديق فنقول: كذلك التصديق في اللغة يقبل الزيادة والنقصان.
قال: لأن التصديق ليس شيئاً يتجزأ حتى يتصور كماله مرة ونقصه مرة، وهذا الكلام قد رددنا عليه.
قال: أما الإيمان في لسان الشرع فهو التصديق بالقلب والعمل بالأركان.
إن الكلام في مسائل الإيمان والكفر محل نزاع عظيم جداً على الساحة، فاسمعوا كلام أهل العلم.
قال الإمام الأصبهاني: والإيمان في لسان الشرع -يعني: الإيمان الاصطلاحي- هو التصديق بالقلب والعمل بالأركان، والأركان هي الجوارح.
إذاً: الأعمال داخلة في ماهية الإيمان وحقيقته ومسماه.
وإذا فُسِّر بهذا، أي: إذا اعتبرنا أن الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح؛ فلابد أن نتصور تطرق الزيادة والنقص إليه؛ لأنه إذا كان هو إقرار القلب وعمل الجوارح، فمعنى ذلك أن الإيمان يتوقف عليهما، فلو أن الإيمان ضعف في القلب نقص، ولو زاد في القلب ارتفع، كما أن العامل لو عمل بطاعتين ازداد إيماناً على قدر هذه الطاعات، ولو أنه نقص من هذه الطاعات نقص إيمانه على قدر نقصان عمله.
إذاً: زيادة الإيمان ونقصانه متعلقة بالعمل، ومن الأعمال ما ينقض الإيمان من أصله، ومن الأعمال ما يؤثر على الإيمان الواجب، ومن الأعمال ما يؤثر على كمال الإيمان وتمامه.
فعندي الآن ثلاث مراتب: إيمان أصلي، وهو أصل الإيمان في القلب، لابد من توفر هذا القدر من الإيمان حتى يثبت به الإسلام، ولو كان ذلك قبل أن أعمل عملاً مطلقاً، ولذلك من نطق بالشهادتين مؤمناً بهما ثم مات يكون مؤمناً، لكنه لم يحقق كمال الإيمان وتمامه، لأن ارتباط الكمال والتمام بالعمل، وهو لم يعمل، ربما يجازيه الله عز وجل فضلاً من عنده درجات الكُمَّل الذين أتوا بالأعمال على وجهها وزيادة، وهذا فضل الله تعالى ورحمته يؤتيها من يشاء من عباده.
أما هذا فقد حقق أصل الإيمان الذي يدخل به في مسمى الإيمان وإن لم يكن بلغ تمامه وكماله؛ لأن ذلك مرهون بالعمل، وهناك أعمال واجبة في الإسلام يقابلها الإيمان الواجب، فإذا أدى العبد هذه الأعمال الواجبة فقد حقق الإيمان الواجب، وهذه المرحلة الوسطى من مراحل الإيمان.
وإذا أتى العبد بالنوافل والمستحبات والمندوبات وغير ذلك، وحافظ عليها، فقد حقق كمال الإيمان وتمامه، وهو الإيمان المطلق.
إذاً: فمراتب الإيمان ثلاث، يقابل هذه المراتب أعمال.
المرتبة الأولى: وهي مرتبة مطلق الإيمان وأساس الإيمان وقاعدة الإيمان، وجزؤه الذي لا يثبت للمرء الإيمان إلا به، وهو المصاحب لنطقه بالشهادتين وإقراره واعتقاده القلبي بما نطق به لسانه، وبغير هذا الجزء من الإيمان لا يكون مؤمناً على الحقيقة، بل يكون منافقاً.
المرتبة الثانية: مرتبة الإيمان الواجب، يقابلها الأعمال الواجبة في الإسلام، إذا أداها فقد حقق الإيمان الواجب الذي يأثم المرء بتركه.
أما كمال الإيمان وتمامه ومطلقه فإن ذلك متعلق بالمستحبات والمندوبات وغير ذلك من أعمال النوافل.
قال: والإيمان في لسان الشرع: هو التصديق بالقلب والعمل بالأركان، وإذا فسر بهذا تطرق إليه الزيادة والنقصان، وهو مذهب أهل السنة، أن العمل داخل في مسمى الإيمان.
قال: فالخلاف في هذا على التحقيق إنما هو: أن المصدق بقلبه إذا لم يجمع إلى تصديقه العمل بموجب الإيمان، هل يسمى مؤمناً مطلقاً أم لا؟ والمختار عندنا: أنه لا يسمى به، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)؛ لأنه لم يعمل بموجب الإيمان فيستحق هذا الإطلاق.
هذا آخر كلام صاحب كتاب التحرير.
ولو سلمنا أن الإيمان هو التصديق فإنه يتطرق إليه الزيادة والنقصان، وهذا غير مقصود في الشرع.
والمرجئة قالوا: الإيمان هو التصديق.
وإذا كان الإيمان هو التصديق فلا يتصور نزول التصديق إلا إلى الشك، فيقولون: الشاك ليس مؤمناً، وهو كذلك، لكن التصديق يتصور فيه الزيادة أو النقص، وقد ضربت لذلك مثلاً، وكذلك جاء في كتاب الله عز وجل أمثلة عن سيدنا إبراهيم وكيف مات وغير ذلك، ولا يتصور مسلم أن إبراهيم عليه السلام كان كافراً، ومع هذا قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة:260]، فإبراهيم عليه السلام سأل عن الكيفية، هل إبراهيم عليه السلام لا يوقن أن الله تعالى يحيي الموتى؟ فإبراهيم يوقن ذلك، ويوقن أن الله ت