[وفي رواية: (بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ جاءه رجل هيئته مسافر وثيابه ثياب مقيم، أو ثيابه ثياب مسافر وهيئته هيئة مقيم، فقال: يا رسول الله أدنو منك؟ قال: نعم.
قال: فدنا منه حتى وضع يديه على ركبتيه فقال: ما الإسلام؟ قال: أن تسلم وجهك لله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، أخبره بعرى الإسلام، قال: فإذا فعلت ذلك فقد أسلمت؟)]، أي: لو أنني فعلت هذه المباني وأتيت بهذه العرى، أكون قد حققت الإسلام لله عز وجل على الحقيقة.
[(قال النبي: نعم.
قال: صدقت.
قال: قلنا: انظروا كيف يسأله وكيف يصدقه)] أي: كيف يسأل الرسول ويقول له: صدقت.
[(قال: يا رسول الله! فما الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله أو تخشى الله كأنك تراه، فإنك إلا تكن تراه فإنه يراك.
قال: صدقت.
قال: قلنا: انظروا كيف يسأله وكيف يصدقه! قال: يا رسول الله! فما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وبالموت والبعث، والجنة والنار وبالقدر كله، قال: فإذا فعلت ذلك فقد آمنت؟ قال: نعم.
قال: صدقت.
قال: قلنا: انظروا كيف يسأله وكيف يصدقه)].
قال الحافظ ابن رجب: الإحسان هو أن يعبد المؤمن ربه في الدنيا على وجه الحضور والمراقبة، كأنه يراه بالقلب وينظر إليه في حال عبادته، فكان جزاء ذلك النظر إلى وجه الله عياناً في الآخرة.
أي: الجزاء من جنس العمل، إذا استشعر المرء أن الله تعالى ينظر إليه ويراه، فإن الله يكافئه في الآخرة، بأن يحقق له الرؤية كما كان يتخيلها ويتصورها في الدنيا.
قال: وقوله صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه) والكاف للتحويل والتشبيه، يشير إلى أن العبد يعبد الله تعالى على هذه الصفة؛ وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، كما في رواية أخرى عن أبي هريرة: (أن تخشى الله كأنك تراه).
وكذلك يوجب النصح في العبادة -والنصح بمعنى أن يخلص المرء في عبادة ربه- وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها، وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة بهذه الوصية، أي: أن يعبدوا الله كأنهم يرونه سبحانه.