[قالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي عليه الصلاة والسلام في قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران:7] إلى قوله الله تعالى: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:7]؛ قال: (فإذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله عز وجل فاحذروهم).
يعني: إذا رأيت واحداً يتجادل ويتماحل ويتخاصم بمتشابه القرآن، فاعلم أنه زنديق أو منافق أو ملحد، فاحذره وفر منه فرارك من الأسد.
وفي نفس الآية يقول الله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران:7] أي: شك وضلال وحيرة وتيه ومرض {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:7] فهم دائماً لا يقصدون إلا المتشابه، ولا يسألون إلا عن المتشابه سؤال متعنت لا سؤال متعلم.
قال: ((فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ)) لماذا؟ {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:7] أي: تحريفه، يعني: يطلبون الفتنة.
ولقد رأيت أحد هؤلاء الذين في قلوبهم زيغ يتتبع آيات القرآن الكريم المتعلقة بالشفاعة، ثم أخذ يتتبع آيات القرآن الكريم المتعلقة بعدة المرأة الحامل، وعدة المرأة المتوفى عنها، وبقية العدة في حق المرأة.
وقال: هذا تضارب في قول الله عز وجل؛ مما يستبين معه للناقد البصير أن هذا الكلام ليس هو من عند الله عز وجل! هكذا تصور أنه ناقد بصير، فهو والله فقد بصيرته وبصره؛ لأن الكلام كلام الله عز وجل.
[قال: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7].
فقال النبي عليه الصلاة والسلام حينئذ: (هم أهل الجدل في القرآن، وهم الذين عناهم الله عز وجل فاحذريهم يا عائشة!)].
[وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه -أي: من القرآن- فأولئك ذكر الله عز وجل فاحذروهم)].
[وعن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً في نفس الآية: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الراسخون في العلم الذين آمنوا بمتشابهه وعملوا بمحكمه)]، حتى تعلم علامات أهل الصلاح أنهم إذا جاءتهم آية محكمة عملوا بمقتضاها ومفهومها وظاهرها، وإذا أتتهم آية متشابهة فوضوا وسلموا أمرها إلى الله، مع الإيمان الجازم بأنها كلام الله عز وجل، والله تعالى لا يتكلم عبثاً.
[وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا رأيتم الذي يجادلون فيه -أي: في القرآن- فهم الذي عنى الله عز وجل فاحذروهم).
قال أيوب بن أبي تميمة السختياني: ولا أعلم أحداً من أهل الأهواء يجادل إلا بالمتشابه].
[وعن ابن عباس في قول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ} [آل عمران:7].
قال: المحكمات: ناسخه وحلاله وحرامه وحدود وفرائضه، وما يؤمن به ويعمل به].
فإذا كان الناسخ من المحكم فالمنسوخ من المتشابه، والناسخ محكم لأن الناسخ هو النص اللاحق للعمل به، كما قال عليه الصلاة والسلام: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزورها فإنها تذكر بالآخرة).
فقول جرير أو جابر رضي الله عنهما: (أن آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يتوضأ مما مسته النار) يدل على أنه كان يتوضأ أولاً من كل طعام أعد في النار، ثم نسخ هذا بأنه عليه الصلاة والسلام كان يأكل مما مسته النار وطهي عليها ولم يتوضأ.
وقد أعد العلماء كتباً للناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، والناسخ والمنسوخ لحديث النبي عليه الصلاة والسلام.
فالناسخ من المحكمات والمنسوخ من المتشابهات، كما أن من المحكمات أيضاً الحلال والحرام والحدود والكفارات، وما يؤمن به المرء إيماناً جازماً، وكذلك من المحكمات الفرائض كالصلاة والصيام والزكاة والحج، وما أمر بأن يعمل به.
[فأما الذين في قلوبهم زيغ من أهل الشك فيحملون المحكم على المتشابه، والمتشابه على المحكم]، أي: يخلطون بين هذا وذاك، [ويلبسون] أي: على العامة، [كلام الله عز وجل، فيلبس الله تعالى عليهم، فأما المؤمنون فيقولون: آمنا به]، مهما لبستم يا أهل البدع! فلن يعدو الإيمان الجازم بأن هذا الكلام من عند الله عز وجل منه الناسخ ومنه المنسوخ.
[فيقولون: (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)، محكمه ومتشابهه]، أي: يقولون: المحكم من عند الله والمتشابه من عند الله.
[وعن الحسن في قول الل