إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلام الله عز وجل، وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد: فمع باب جديد وهو: [باب تحذير النبي صلى الله عليه وسلم لأمته من قوم يتجادلون بمتشابه القرآن، وما يجب على الناس من الحذر منهم].
[قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا} [آل عمران:7] إلى آخر الآية].
من القراء من وقف على قول الله عز وجل: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7]، ومنهم من وقف على لفظ الجلالة، وهم جمهور القراء.
فهكذا التقدير: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:7]، ومنهم من وقف على قوله: ((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ)) ثم استأنف: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:7].
وكلتا القراءتين لها وجه، ولكن الذي عليه جماهير القراء -بل جماهير علماء الأمة- أن الوقف الأفضل هو الوقف على لفظ الجلالة، ثم استئناف علم الراسخين في العلم، وإلمام الراسخين في العلم: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران:7].
فهنا إثبات أن في كلام الله عز وجل محكماً، وفي كلام الله عز وجل متشابهاً، فأما المحكم فلا إشكال فيه؛ لأنه محكم لا يستطيع أحد من أهل البدع أن ينازع فيه.
وأما المتشابه وما ظاهره تعارض فإنه لا تعارض في كلام الله عز وجل: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:82]، فلما لم يكن فيه اختلاف البتة دل على أنه من عند الله عز وجل.
فأما أهل البدع فإنهم يتجادلون بالمتشابه من كلام الله عز وجل، وكذا بما ظاهره التعارض من كلام النبي عليه الصلاة والسلام.
أما الراسخون في العلم من أهل الإيمان والسنة، فإنهم يعملون بالمحكم بغير نزاع بينهم، ويؤمنون بالمتشابه ويمرونه كما جاء، ولا يردون على الله عز وجل شيئاً من كلامه، ولا على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من كلامه كذلك.
وسنعرف ما هو المحكم في كلام الله، وما هو المتشابه بإذن الله تعالى.