[وعن ابن مسعود قال: إذا وقع الناس في الشر خيل لك في الناس أسوة في الشر]، أي: إذا استشرى الشر وانتشر حتى لم يكن في المجتمع غيره، تصور الناس أن الأسوة في هذا الشر، ولذلك إذا نقدت أي إنسان الآن في ضلالة هو عليها أو في بدعة هو عليها يقول: كل الناس هكذا، فهل يتصور أن هذه بدعة والناس يعملون بها، ومطبقون عليها منذ زمن بعيد؟ وهل يتصور أن يكون هذا هو الباطل، وأن ما تأتيهم به الآن هو الحق؟ نعم هذا متصور.
ولذلك أنكر مجتمع قريش دعوة النبي صلى الله عليه وسلم أول ظهورها؛ لتصورهم أنهم على الحق المبين.
قال: إذا وقع الناس في الشر فقل: لا أسوة لي في الشر، وإنه لا أسوة في الشر، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا أسوة في الشر)، وإن أجمع الناس وأطبقوا على استمرار الباطل ورد الحق، فإن هذا لا يجعل الباطل حقاً، ولا يجعل الحق باطلاً.
[وعن عبد الله بن مسعود قال: ليوطنن المرء نفسه على أنه إن كفر من في الأرض جميعاً لم يكفر]؛ لأن كل واحد سيأتي ربه فرداً، ويسأل فرداً لا علاقة له بالناس، وأن الناس لا يدافعون عنه ولا يدفعون له بين يدي الله عز وجل.
قال: [ولا يكونن أحدكم إمعة، قيل: وما الإمعة؟ قال: الذي يقول: أنا مع الناس]، أي: إن أحسنوا أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس فأحسنوا، وإن أساءوا فلا تسيئوا، أي: وإن أساءوا فلا تتبعوا إساءتهم.
قال: [إنه لا أسوة في الشر]، وإن أطبق الناس على عمل الشر، وقول الشر، واعتقاد الشر، فإنه لا علاقة لك بالناس، وإنما علاقتك بالحق المبين، الذين نزل من السماء على قلب رسولنا الأمين صلى الله عليه وسلم.