قال: [إن ابن مسعود: كان يذكر كل عشية خميس، فيحمد الله ويثني عليه ويقول: إن أحسن الحديث كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وشر الرواية رواية الكذب]، يعني: شر الحديث الكذب فيه، [وسمعته يقول: يا أيها الناس! عليكم بالطاعة]، والطاعة هنا لأولياء الأمور وللعلماء.
قال: [عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة].
فانظر إلى الكلام الجميل: (إن ما تكرهون في الجماعة) أي: في جماعة الإمام والخليفة خير لكم مما تحبونه حين تفرقكم.
قال: [وإن الله عز وجل لم يخلق في هذه الدنيا شيئاً إلا وقد جعل له نهاية ينتهي إليه].
لابد.
أخرج البخاري في كتاب الأدب في باب إثبات تواضع النبي عليه الصلاة والسلام حديث أنس: (أن دابة النبي عليه الصلاة والسلام القصواء لم تسبقها دابة قط، فجاء رجل من الأعراب بدابته، وقال له: يا رسول الله! تسابقني؟ قال: أسابقك)، انظر النكتة التي استفادها البخاري من هذا الحديث، فبوب هذا الحديث: باب إثبات تواضع النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه وهو نبي ورسول رضي أن يسابق أعرابياً أتى من البادية، مع أن هذه القصواء لم تسبقها ناقة ولا جمل ولا حمار (قال له: يا رسول الله! تسابقني؟ قال: أسابقك، فسبقه الأعرابي.
فقال الصحابة: خلأت -عضبت- القصواء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تقولوا هذا، ما بلغ شيء تمامه إلا نقص)، أي: ما من شيء يرتفع إلا ومصيره النزول.
انظر في نفسك حيث كنت جنيناً، ثم وليداً رضيعاً، ثم طفلاً، ثم صبياً، ثم شاباً، ثم رجلاً فتياً قوياً، وبعدما تصبح فتياً قوياً يبدأ العد التنازلي مرة أخرى، كان هناك عد تصاعدي، واختلف أهل العلم في هذا، فمنهم من قال: يبدأ النزول بعد سن الأربعين، ومنهم من قال: يبدأ بعد سن الخمسين، ومنهم من قال: بعد سن الستين، فأياً كان اعتبر أن صفوة قوتك وشبابك من أربعين إلى الستين، وبعد الستين يبدأ العد التنازلي السريع لا محالة، ففي قوتك تفعل ما تشاء من خير أو شر، لكن الإنسان الذي بلغ تمام قوته، ثم بدأ ينزل بعد ذلك على حتفه، لابد أن يعمل ألف حساب لهذا اليوم الذي ينزل فيه، ولابد أنه نازل مهما طال به الزمان وعاش، وقد أعجبني جداً كتاب رجل سماه: انتبه فقد بلغت الأربعين، (ولقد أعذر الله عز وجل إلى امرئ بلغه الستين)، يعني: تكون فاجراً، تكون زانياً، تكون سارقاً، تكون قاتلاً، ليس لك في ذلك عذر واحد، فالله تبارك وتعالى مد في عمرك وأقام عليك الحجة منذ ستين عاماً، ولا زلت مصراً على المعصية؟ إنك على خطر عظيم جداً بين يدي الله عز وجل.
فقال ابن مسعود: [وإن الله عز وجل لم يخلق في هذه الدنيا شيئاً إلا وقد جعل له نهاية ينتهي إليها، ثم يزيد وينقص إلى يوم القيامة، وإن هذا الإسلام اليوم مقبل].
والإسلام قادم لا محالة، والإسلام باق إلى قيام الساعة، لكنه يخبو أحياناً ويظهر أحياناً، حسب تمسك أهله به، والعاقبة للتقوى.
قال: [وإن هذا الإسلام اليوم مقبل، ويوشك أن يبلغ نهايته، ثم يدبر وينقص إلى يوم القيامة، وآية ذلك أن تفشو الفاقة]، يعني: علامات ذلك أن يكثر الفقر بين الناس؛ لبخل الأغنياء، وتركهم لأداء زكاة أموالهم وعموم الصدقات.
قال: [وتقطع الأرحام].
فمن منا أيها الإخوة يعرف رحمه ويعرف نسبه؟
صلى الله عليه وسلم قليل جداً، حتى واصل الرحم فينا يصل من وصله ويقطع من قطعه، وليس هذا هو الوصل، بل إن الواصل من يصل من قطعه، أما ذاك الذي يقال له: صل أخاك فيقول: الذي يأتي إلي أذهب إليه، والذي لا يأتي إلي لا آتي إليه، فلا أحد أحسن من أحد، وهذا من مصطلحات الجاهلية التي كانت قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام نقولها نحن اليوم، فنحن في جاهلية عظيمة جداً، وأمثلنا وأحسنا من يصل أباه، أمه، أخاه، عمته، خالته، فإنه يصل المحارم دائماً، وهل هؤلاء فقط هم المحارم؟
صلى الله عليه وسلم لا، بل هم أعظم من هؤلاء بكثير، فهناك صلة رحم عامة وهناك صلة رحم خاصة، وليس هذا وقت تفصيل ذلك.
قال: [وآية ذلك أن تفشو الفاقة، وتقطع الأرحام حتى لا يخشى الغني إلا الفقر].
الغني يخشى أن يخرج الزكاة ويفتقر، مع أنه يعطي الفقراء مقابل حق الله وحق الفقراء والمساكين في ذلك الذي فرضه الله عليه.
قال: [حتى لا يخشى الغني إلا الفقر، ولا يجد الفقير من يعطف عليه، وحتى إن الرجل ليشكو إلى أخيه وابن عمه، وجاره غنيُّ لا يعود عليه بشيء]، يعني: الواحد يكون له ابن عم وابن خال في بلد أخرى، فيقول له: يا ابن عمي! أنقذني ويا ابن أخي! أرسل لي خبزاً آكله، وجاره الذي ساكن بجواره المأمور بألا ينام وجاره جائع، والمأمور بأنه إذا طبخ لحماً أن يكثر المرق ويتعاهد الجيران، لا يعطيه شيئاً، فالواحد منا محتاج إلى صدقة تأتيه من بلدان بعيدة أو أماكن بعيدة، وجاره الذي فرض الشارع عليه حق الجوار، وأمره ألا ينام إلا