قال: [عن معاوية بن عمار سألت جعفر بن محمد -وهو ابن علي بن أبي طالب - فقلت: إنهم يسألوننا عن القرآن أمخلوق هو؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله.
حدثنا ابن وهب قال: حدثنا معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله عز وجل: {قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر:28]، قال: غير مخلوق].
وهذا من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، والمعلوم أن علي بن أبي طلحة يروي التفسير عن ابن عباس، لكن روايته صحفية، أي: أن رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس صحفية يرويها علي عن ابن عباس، وابن أبي طلحة لم يدرك ابن عباس ولم يره، ولذلك قال ابن كثير في هذه الآية: ((غَيْرَ ذِي عِوَجٍ)): هو قرآن بلسان عربي مبين لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس، بل هو بيان ووضوح وبرهان، وهذا ربما يكون أحسن الأقوال.
قال: [حدثنا حموية بن يونس إمام مسجد جامع قزوين: بلغ أحمد بن حنبل هذا الحديث].
أي: عن ابن عباس في قول الله: ((قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ)).
أي: غير مخلوق، [فكتب إلى جعفر بن محمد بن فضيل الرسعني: اكتب إلي بإجازته].
أي: أن الإمام أحمد يطلب من جعفر بن محمد أن يجيزه بهذا.
قال: [فكتب إليه بإجازته، فسر أحمد بن حنبل بهذا الحديث وقال: كيف فاتني عن عبد الله بن صالح هذا الحديث؟]؛ لأن الإمام أحمد تلميذ لـ عبد الله بن صالح، وعبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد، وكأن الإمام أحمد أخذ كل ما عند عبد الله بن صالح من حديث، فكيف فاته هذا الحديث؟ قال: [سمعت عثمان بن أبي شيبة يقول: الواقفة شر من الجهمية بعشرين مرة، هؤلاء شكوا في الله].
أي: الذين توقفوا وقالوا: لا نقول مخلوقاً ولا غير مخلوق، فهؤلاء شر من الجهمية الذين صرحوا وقالوا: القرآن كلام الله مخلوق بعشرين مرة؛ لأنهم شكوا في الله عز وجل.
إذاً: التوقف في إثبات أن القرآن كلام الله غير مخلوق هو شك في صفات الله عز وجل، هل الله تعالى يتكلم أو لا يتكلم؟! هل يقدر على الكلام أو لا يقدر على الكلام؟! وبالتالي ما الفرق بين من شك في قدرة الله على الكلام ومن شك في قدرته على العلم أو الإرادة أو السمع أو البصر؟ ما الفرق بين أن يشك المرء في صفة من صفات ربه أو في كل الصفات؟ لا فرق، ولذلك فالواقفة شر من الجهمية الذين صرحوا بأن القرآن مخلوق عشرين مرة؛ لأنهم شكوا في قدرة الله عز وجل على الكلام.
وفي رواية من طريق أبي داود: هؤلاء يقولون: القرآن كلام الله عز وجل ويسكتون شر من هؤلاء، يعني: الذين قالوا: القرآن مخلوق.
وفي رواية عن السلف: من وقف في القرآن أنه كافر، وقالوا: جهمي.
لأن الشك في الصفة شك في الموصوف؛ لأن الذي يشك في صفة من صفات الله فقد شك في الله، وكانوا يستحقون بذلك أن يكونوا شراً من الجهمية؛ لأن كلامهم يتضمن نوعاً من الخداع حيث يحتمل اعتقادهم بأن القرآن مخلوق، ولكنهم أخفوا هذا الاعتقاد بستار التوقف، ولأن مجرد توقفه عن التصريح بأن القرآن غير مخلوق، يعني: أنه شاك في الأمر، فهو يشك في هذا الأمر وفي هذه الصفة.