ما هي الأصول التي خالف فيها الجهمية أهل السنة والجماعة؟ في الجملة: قولهم بخلق القرآن، وإنكارهم رؤية المولى عز وجل بالأبصار في الآخرة، وإنكارهم أن يكون لله تعالى وجه ويدان، وأنكروا شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام.
قد يقول قائل: لماذا ندرس الجهمية والمعتزلة والقدرية، هل ما زالوا موجودين؟
صلى الله عليه وسلم كل الفرق الضالة موجودة في الأمة بأسماء غير الأسماء المعروفة، وستظل موجودة في الأمة، فهم يسمون في كل عصر ومصر بأسماء تختلف عن أسمائها الواردة في النصوص، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يستحلونها يسمونها بغير اسمها) يأتي الواحد منهم فيقول: الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة:90] لم يقل: (الوسكي) ولم يقل: (الشنبانيا) ويبدأ بذكر عشرات ومئات الأسماء للخمر، ثم يقول: إن الله حرم الخمر ونحن مقرون بذلك، والذي ينكر أن الله حرم الخمر يكفر، لكنه لم يذكر (الشنبانيا) ولا (الوسكي)، ويقول: الربا حرام، لكن ليس في البنوك ربا، إنما هي فوائد، فما حرم الله في القرآن نقول بتحريمه، فالله قصد بتحريم الربا نوعاً معيناً ليس هو ما تتعاطاه البنوك اليوم؛ ولذلك البنوك حلال.
فنقول: البنوك قول المبطلين الأفاكين، حتى لا يفهم أحد أني أقول: إن فوائد البنوك حلال أبداً.
قال: وجحدوا علم الله وقدرته، قالوا: ليس بعالم ولا قادر، ونفوا عن الله تعالى الصفات التي نطق بها القرآن من السمع والبصر والحلم والرضا والغضب والعفو والمغفرة والصفح والمحاسبة والمناقشة -كل هذا نفوه عن الله عز وجل- وأثبتوا لأنفسهم من القدرة والاستطاعة والتمكن ما لم يثبتوه لله تعالى؛ وذلك لأنهم يقولون في هذا الباب بمذهب القدرية الذين يثبتون لأنفسهم القدرة على الفعل، وأن العبد مختار لفعله ولا علاقة لله تعالى بأفعاله البتة، وزعموا أنهم يقدرون على ما لا يوصف الله تعالى بالقدرة عليه، ويخلقون ما لا يخلقه الله تعالى من الأعمال والأقوال، وزعموا أنهم يفعلون ويقدرون على ما لا يفعله الله ولا يقدره، ويريدون ويشاءون ما يستحيل أن يكون من تدبير الله ومشيئته، ويزعمون أنهم يريدون لأنفسهم ما لا يريده الله، ولم يشأه لهم خالقهم، فيكون ما يريدون ولا يكون ما يريده ربهم.
عندما تكلمنا عن القدر الشرعي والقدر الكوني قلنا: إن الله تعالى أراد الخير والشر وخلقهما وأذن في وجودهما، ولا يكون في الكون إلا ما أراده الله عز وجل، لكنه أراد الحق وأراد الطاعة والخير إرادة شرعية دينية وأعان عليها، وأراد الشر إرادة كونية قدرية، بمعنى: أنها لا تكون في الكون إلا بإذن الله خلقاً وإرادة وكسباً من العبد، فالله تعالى أذن في وجود الشر؛ ولذلك هو الذي خلق إبليس وهو رأس الشر، فهو الذي أذن في خلقه ووجوده، مع أن الله تعالى يبغض إبليس ولا يحبه، وكذلك الله تعالى هو الذي خلق الزنا والسرقة وشرب الخمر، ونهى عنه، وقدره في الكون تقديراً، وأذن في وجوده خلقاً، والذي باشر هذا الشر هو هذا الإنسان؛ ولذلك قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30]، فأثبت للعبد مشيئة وأثبت لنفسه سبحانه وتعالى مشيئة، فالعبد مختار لفعله بعد قيام الحجة عليه؛ ولذلك خلق الله تعالى الجنة والنار.
قال: وزعموا أن الجنة تفنى وتبيد ويزول نعيمها، وأن النار تزول وينقطع عذابها، هذا آخر ما زعموا من أصول مسائل الاختلاف بينهم وبين أهل السنة والجماعة، ولهم أقوال في غاية الغرابة.