إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد: فقال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما روي في المكذبين بالقدر: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: جاءه رجل فسأله عن القدر، فقال: من هؤلاء القدرية؟ قال ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (هم مجوس هذه الأمة)].
هذا الحديث روي من طرق متعددة عن ابن عمر، ورواه غير ابن عمر جمع من الصحابة رضي الله عنهم، وفي كل طريق من هذه الطرق راوٍ كذاب، أو متروك، أو ضعيف، أو ضعيف جداً، وبالتالي اختلفت كلمة المحدثين في إثبات هذا الحديث من عدمه، فبعضهم يرى أن مجموع هذه الطرق والشواهد يرتقي بها الحديث إلى درجة الحسن أو الصحيح، وبعضهم يقول: لا يزيد الحديث بذلك إلا ضعفاً.
[وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لكل أمة مجوس، ومجوس أمتي الذين يقولون: لا قدر، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم)، وفي رواية: (وإن ماتوا فلا تشيعوهم، ولا تناكحوهم)] أي: لا تنكحوا إليهم ولا منهم.
[وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، وهم شيعة الدجال، وحق على الله عز وجل أن يلحقهم بـ الدجال).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة القدرية، لا تعودوهم إذا مرضوا، ولا تصلوا عليهم إذا ماتوا)، وفي رواية: (وإن ماتوا فلا تشيعوهم).
وعن ابن عمر قال: (لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر)]، وغير ذلك من الروايات التي تثبت أن القدرية هم مجوس هذه الأمة.
[وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيكون في أمتي مسخ، وذلك في القدرية والزنديقية)].
والزنديقية: من الزندقة وهي النفاق، والزنديق هو المنافق.
[وعن محمد بن أيوب المكي قال: سمعت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لما ذكر عنده القدرية يقول: هذا أول شرك هذه الأمة] يعني: أول شرك وقع في الأمة هو قول الذين يقولون: لا قدر، وأن الأمر أنف، وكان أول ظهورهم في البصرة.
قال: [ألا وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كأني بنسائهم يطفن حول ذي الخلصة)].
يعني: كأني بنساء القدرية الذين يقولون: لا قدر؛ يطفن حول ذي الخلصة، وذو الخلصة كما في كتاب النهاية لـ ابن الأثير بيت كان فيه صنم لدوس باليمن يسمى: الخلَصَة بفتحات، أراد لا تقوم الساعة حتى ترجع دوس عن الإسلام، وذلك قبل يوم القيامة، فلا تقوم الساعة حتى ترتد دوس على أعقابها وتشرك بالله عز وجل، فتطوف النساء بذي الخلصة، وتضطرب أعجازهن وألياتهن كما كن يفعلن بالجاهلية.
[فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (كأني بنسائهم يطفن حول ذي الخلصة، تصطك ألياتهن مشركات -أو ألياهن-، والذي نفسي بيده لا ينتهي سوء رأيهم -أي: لا يذهب سوء رأيهم فيما يتعلق بمسألة القدر- حتى يخرجوا الله من أن يقدر الخير كما أخرجوه من أن يقدر الشر)].
لأن بعض فرق القدرية قالت: إن الله تعالى خلق الخير ولم يخلق الشر، وقدر الخير ولم يقدر الشر، وشاء الخير ولم يشأ الشر، فشابهوا تماماً المجوس الذين قالوا: بثنائية الإله، إله الخير وإله الشر، إله الظلمة وإله النور، فسماهم النبي عليه الصلاة والسلام مجوس هذه الأمة؛ لأن المجوس قالوا بأن للعالم إلهين: إله للخير وإله للشر، إله للظلمة وإله للنور، وكذلك كادت القدرية أن تقول: لهذا الكون كذلك إلهان: إله للخير وإله للشر، وذلك بقولهم: إن الله شاء الخير ولم يشأ الشر، قدر الخير ولم يقدر الشر، فإذا كان الشر مخلوقاً وموجوداً في واقع الناس وفي هذه الحياة فلا بد أن يكون له خالق، فإذا كنتم تقولون: إن الشر لم يخلقه الله فلا بد أن يكون لهذا الشر خالق غير الله، وهذا باب عظيم من أبواب مشابهة القدرية للمجوس؛ لأنهم قالوا بثانوية الإله.
إذاً: قوله عليه الصلاة والسلام: (القدرية مجوس هذه الأمة) علة ذلك أن المجوس يقولون بثانوية الإله، وأن القدرية كادوا أن يقولوا بثانوية الإله، لأنهم قالوا: إن الله قدر الخير ولم يقدر الشر، والشر مخلوق فلا بد له من خالق، وإلا فك