كذلك هو مستدعًى ومطلوبٌ، وذكرناه، وأيضا أطلق عليه في الكتاب أنه أمر، قال تعالى: [إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى]، (إن الله يأمر) هذا أمر، (بالعدل) وكله واجب، (والإحسان) والإحسان منه واجب ومنه مستحب، إذن الإحسان مأمور به لقوله (يأمر) ومن الإحسان ما هو مندوب، إذن المندوب مأمور به، (وإيتاء ذي القربى) إيتاء ذي القربى ليس كله واجب، بل بعضه واجب وبعضه مستحب، وهو داخل في مفهوم قوله (يأمر) إذن (إيتاء ذي القربى) مأمور به، وإيتاء ذي القربى المندوب مأمور به، كما أن الواجب مأمور به، إذن أطلق لفظ الأمر في الشرع، في الكتاب على ماذا؟ على المندوب، والأصل الحقيقة، يعني لا نقل مجازا، يعني من ينفي يقول: إطلاق لفظ أمر على المندوب مجازا وليس بحقيقة، نقول: لا، حقيقة، بدليل هذه الآية، أن الله عز وجل قال (يأمر) فحينئذ نقول الأصل حمل اللفظ على الحقيقة، ولا يُعدَل عنه إلى المجاز إلا بخبر ولا خبر، يعني إلا بدليل وقرينة، ولا دليل ولا قرينة.
وحيثما استحال أصل انتقل.:. إلى المجاز أو لأقربه حصل.
(وحيثما استحال أصل) فالمراد بالأصل هنا الحقيقة، وحيثما استحال حمل اللفظ على حقيقته انتقل إلى المجاز، حينئذ نقول انتقل لمجاز، وبهذه القرينة أو بهذا التقييد أو بهذه القاعدة نرد مؤولة الصفات فنقول حمل الصفات على ظاهرها لا يستحيل، ولا نحتاج أن نبطل المجاز من أجل أن نثبت الصفات على ظاهرها، ونقول أجمع أهل المجاز كلهم قاطبة من أهل البيان والأصوليين وغيرهم على أنه لا يجوز حمل اللفظ على مجازه إلا بقرينة وخبر، فحينئذ الأصل أن يحمل اللفظ على حقيقته، على ظاهره، فإذا استحال ولم يمكن حمله على ظاهره لابد من قرينة حتى نقول هذا هو مجاز، ونقول آيات الصفات كلها لا يستحيل حملها على ظاهرها، والقرينة التي جعلوها للاستحالة الأصلية قرينة فاسدة باطلة تدل على فساد عقولهم، ولا نحتاج أن نقول نبطل المجاز من أجل أن نبطل قاعدة التحريف والتأويل عند الأشاعرة وغيرهم، إذن هو مأمور به لقوله تعالى: [إنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى]، وإطلاق الأمر عليه بالكتاب أو السنة إطلاق حقيقي، أيضا لأنه طاعة، المأمور به طاعة، أليس كذلك؟ وكل طاعة مأمور بها: [قُلْ أطِيعُوا اللهَ]، (أطيعوا) مأمور بالطاعة، إذن المندوب طاعة وهذا بالإجماع، وكل طاعة مأمور بها لأن الطاعة ضد المعصية، المعصية ما هي؟ مخالفة المأمور، الطاعة ما هي؟ امتثال المأمور، إذن المندوب طاعة، فينتج أن المندوب مأمور به، هذا قياس [ .. ].
المندوب طاعة (مقدمة صغرى) وهذا بالإجماع، وكل طاعة مأمور بها، ولها وجهان: من جهة الدليل: [قُلْ أطِيعُوا اللهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ] وهذا أمر، والمأمور به الطاعة، من جهة أخرى أن الطاعة ضد المعصية، والمعصية مخالفة الأمر، والطاعة امتثال الأمر، حينئذ ينتج أن المندوب مأمور به، وهذا هو الحق، أما قول السيوطي: (ولَيْسَ مَنْدُوْبٌ وَكُرهٌ في الأَصَحّْ.:. مُكَلَّفًا .. ) نقول هذا قول مرجوح، ولو قال به جماهير الأصوليين، فإذا ثبت الدليل من الكتاب والسنة والنظر الصحيح نقول به ولا نخالف.