لأن الخطاب إذا قيل " وأقيموا الصلاة " وهذا نائم، هل هو فاهمل للخطاب أو لا؟ لا يفهم، هو نائم ويشترط في الإفهام أن يكون المخاطب سامعا، وهذا ليس بسامع، إذن فيما ذكر نقول الأصح عدم التكليف. يرد الإشكال: " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها "، هذا قضاء ولا قضاء إلا لترك واجب. إذن هو مكلف وقت النوم، نقول الصواب أنه مخاطب خطاب أداء في ذلك الوقت، لذلك جاء في بعض الروايات: " وذلك وقتها " فالذي ينام عن الصلاة وقد خرج الوقت ثم قام فصلى الأصح أنه يصلي أداء لا قضاء، ثم يقال هذا من باب ربط الوجوب بسببه، إذا انعقد السبب، حينئذ إما أن يؤدى في وقته وإما أن يتعلق به إلى أن يستيقظ فحينئذ يكون مخاطبا بالأداء لا بالقضاء.

أما المُكره فهذا نوعان عند أهل العلم، الذي يعبر عنه بالمُلجأ، الذي سلب القدرة كأن يحمل ويلقى من شاهق، هذا يسمى الملجأ يعني الذي سلب القدرة والاختيار، ليس له أي قدرة وليس له أي اختيار في الفعل. هذا بالإجماع أنه غير مكلف. ولذلك لو أخذ الشخص وألقي من شاهق على شخص آخر فمات فلا يضمن، ليس آثما، غير مكلف، وهذا بالإجماع، أما من بقي معه قدرته واختياره كأن قيل له افعل هذا الشيء وإلا قتلناك، إذن هو لم يُكبل، هو بقي باختياره يمشي ويقوم ويجلس، حينئذ نقول قد أُكره، يعني حمل على شيء لا يرضاه، هذا المكره الذي قيل له هذه العبارة نقول هذا له أحوال، إما أن يكون الإكراه على القول: قولا واحدا ليس بمكلف لقوله تعالى " إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان "، فإذا عفي عنه للإكراه - وهو قول هنا - في كلمة الكفر فما دونها من باب أولى وأحرى، لو أكره قيل له سب الله - والعياذ بالله - أو سب النبي صلى الله عليه وسلم أو سب زيد أو عُبيد من الناس، نقول هذا قول محرم، فإذا أكره عليه خينئذ نقول لا تكليف، للدليل السابق أنه إذا أكره عن كلمة الكفر ورفع عنه التكليف فمن باب أولى وأحرى أن ما دون ذلك ألا يكون مكلفا، هذا في القول. أما الفعل فهذا يفصل فيه: إما أن يكونفعلا متعلقا بحق الله عز وجل أو متعلقا بحق الآخرين. ما كان متعلقا بحق الله عز وجل كما لو أكمره الصائم على الإفطار، نقول له أفطر وأنت لست مكلفا لأن هذا الفعل متعلق بحق الله عز وجل، ومعلوم أن مبناها على المسامحة لا المشاحة. أما الفعل المتعلق بحق الآخر: اقتل زيدا وإلا قتلناك الأصح مع وجود الخلاف أنه مكلف، ولا يجوز له أن يثقدم على قتل غيره حفظا لنفسه، لوجود شرطي التكليف وهما: العقل وفهم الخطاب، ولذلك الأصح عند الكثيرين أنه لا يشترط على هذين الشرطين الاختيار. إذن ثم فرق بين المكره المُلجأ الذي فقد القدرة وسلب الاختيار كمن كبل وأدخل بيتا وقد حلف ألا يدخله، نقول هذا غير مكلف بالإجماع، وبين المكره الذي لم يصل إلى تلك الدرجة وإنما له نوع اختيار ونوع قدرة، نقول هذا نفصل فيه من جهة القول والفعل، فما كان قولا فهو ليس مكلفا به بل هو معفو عنه، ومن كان فعلا متعلقا بالله عز وجل فهو معفو عنه ليس مكلفا، ما كان متعلقا بحق الآخرين حينئذ نقف ونقول هو مكلف وذلك قرره ابن القيم - رحمه الله - في مواضع عديدة، والمحكوم عليه هو المكلف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015