(لكنه) يعني في التكليف (ليس يفيد فرعا) لا ينبني عليه حكم من الأحكام العملية، وإنما هو خلاف في التأصيل فقط، خلاف في التأصيل، والمحكوم عليه هو المكلف، من هو المكلف؟ نقول من تعلق به التكليف، متى يُحكم على الشخص بكونه مكلفا؟ نقول شرط المكلف بالفعل أمران، يعني لا يكون الآدمي مكلفا إلا بوجود شرطين اثنين لا ثالث لهما على الأصح: وهما العقل وفهم الخطاب. المسائل المتعلقة بهذا المبحث طويلة وكثيرة ومتفرعة جدا، لكن نقتصر اقتصارا غير مخل بإذن الله، نقول: العقل وفهم الخطاب. ما المراد بالعقل؟ آلة التمييز والإدراك. ما يُدرك به الإنسان يسمى عقلا، قيل سمي عقلا من العقل، يعني المنع، لأنه يمنع صاحبه عن سفاسف الأمور، كما قيل في الحكمة هناك، العقل هو آلة الإدراك، آلة الإدراك والتمييز، لأن العاقل إذا اتصف بهذه الآلة ميز بين حقائق الأمور، أدرك معنى المساء ومعنى الأرض ومعنى الماء البارد وميز بين الحق والباطل والجيد والردئ إلى آخره، بواسطة هذه الآلة.
(فهم الخطاب) المراد بالفهم إدراك الكلام هذا هو الفهم كما ذكرناه بالأمس، الفهعم في اللغة هو إدراك معنى الكلام، إذا أدرك المخاطب معنى الكلام، ما الذي يريده المتكلم بهذا الكلام على وجه التمام نقول هذا قد فهم الخطاب، والخطاب المراد به خطاب الشرع لأن بحثنا في الشرعيات. أجمع العلماء على اشتراط العقل في التكليف، هذا باتفاق. لماذا اشترط الصوليون هذين الشرطين؟ لأن التكليف خطاب كما سبق، حكم الشرع خطاب من الله عز وجل، وخطاب من لا عقل له ولا فهم محال، تجلس تتحدث مع مجنون؟! تأخذ وتعطي معه تدعوه في بيتك؟! ما يمكن هذا، محال. لمذا؟ لأن من لا عقل له هذا لا يمكن أن يُخاطب. كذلك من لا يفهم هذا لا يمكن أن يخاطب، وإذا كان الله قد شرع العبادات لحكم ومصالح عظيمة حينئذ لا بد أن يكون المكلف عاقلا فاهما للخطاب. إذن نقول: لأن التكليف خطاب وخطاب من لا عقل له ولا فهم محال، أيضا قالوا لأن المكلف به مطلوب حصوله من المكلف طاعة وامتثالا، إذا أمر الله عز وجل - كما قيل في تعريف التكليف عند بعضهم: خطاب بامر أو نهي - إذا أما أنك مأمور أمر إيجاب أو استحباب، أو أنك منهي نهي تحريم أو كراهة. ما المطلوب بهذا الأمر وبهذا النهي؟ الطاعة والامتثال لأنه مأمور، والمأمور إنما يُتصور بعد الفهم، لا يمكن ان يمتثل ما أمر به إلا إذا فهم المأمور، ومن لا فهم له لا يمكن أن يقول له افهم ن هو ما يفهم، هناك لا يمكن أن تأتي برضيع تقول له " وأقيموا الصلاة "! لأنه لا يفهم، لو قيل له افهم يتعذر أن يفهم، لذلك ارتفعه عنه التكليف. هذان شرطان: العقل وفهم الخطاب.