إذن التكليف في اللغة إلزام ما فيه مشقة، فإلزام الشيء والإلزام به هو تصييره لازما لغيره، لا ينفك عنه مطلقا أو لا ينفك عنه في وقت ما. هذا في اللغة، وأما في الاصطلاح فعبارات الأصوليين مختلفة ومضطربة، سبب الاضطراب أنهم اتفقوا على أن الإيجاب والتحريم حكمان تكليفيان، هذا متفق عليه ن فمن اقتصر على هذين النوعين أراد أن ياتي بحد يشمل النوعين فقط ويخرج الكراهة والندب والإباحة، ومن يرى أن الإباحة والندب والكراهة أحكاما تكليفية اراد أن يأتي بحد يشمل الخمس. من أراد قصرها على الأربعة دون الإباحة اراد أن يأتي بحد يشمل الربعة دون الإباحة ن فحينئذ تكون التعاريف مختلفة لهذا السبب، فقال بعضهم: التكليف اصطلاحا هو طلب ما فيه مشقة، الإباحة هل فيها طلب؟ ليس فيها طلب لا طلب فعل ولا ترك، إذن خرجت الإباحة بقوله طلب ما فيه مشقة. خرجت الإباحة لأنه ليس فيها طلب. قلنا الطلب كم نوع؟ طلب فعل، وطلب ترك، وطلب الفعل نوعان: مع الجزم، ولا مع الجزم، وطلب الترك نوعان: مع الجزم، ولا مع الجزم، هذه أربعة. أخرج الإباحة وقصر الحكم التكليفي على الإيجاب والتحريم والندب والكراهة، الحد الثاني قال التكليف (إلزام ما فيه مشقة) إذن جزم (لا مع الجزم) خرج بقوله إلا، خرجت الإباحة ليست فيها إلزام، وخرجت الكراهة ليس فيها إلزام، والندب ليس فيه إلزام، إذن اقتصر هذا الحد على ماذا؟ على الإيجاب والتحريم، إذن هذا الخلاف في التعريف لليس خلافا هكذا جاء، وإنما لخلاف سابق، وهخل المندوب مكلف به أم لا، وهل المكروه مكلف به أو لا، الجمهور على عدم التكليف لذلك قال السيوطي:
وليس مندوب وكره في الأصح ... مكلفا ولا المباح فرجح
بحده إلزام ذي الكلفة لا طلبه
المرجح ما هو عند الجمهور؟ (إلزام ما فيه مشقة) لأن المندوب ليس مكلفا به والمكروه ليس مكلفا والمباح مكلفا به حينئذ يقتصر الحكم على الإيجاب والتحريم.
وليس مندوب وكره في الأصح ... مكلفا ولا المباح فرجح
إذا [ ... ] لذلك ربط لك الحدود بالخلاف السابق، إذا تبين أن المندوب ليس بحكم تكليفي وكذلك المكروه وكذلك المباح. (فرجح، في حده) الذي هو التكليف، (إلزام ما ذي الكلفة لا طلبه)، إذن (إلزام ما فيه مشقة) هو الراجح، و (طلب ما فيه مشقة) هو الأرجح [كذا قال الشيخ ولعله يريد المرجوح]، ونقول الصواب العكس، أن طلب ما فيه مشقة هو الأرجح، وإلزام ما فيه مشقة هو المرجوح، والصواب أن المندوب مكلف به وأن الكراهة مكلف بها ن فهما حكمان تكليفيان، وأما المباح فليس حكما تكليفيا، إذن عرفنا تعريف التكليف وهو: إلزام الذي يشق .. أو طلب فاه بكل الخلق.
لكن إذا قيل المندوب هو مكلف به أم لا، وهل المكروه مكلف به أم لا، لا ينبني عليه حكم عملي، وإنما هو خلاف تنظيري تقريري، يعني في تأصيل المسائل، يعني خلاف لفظي، ولذلك قال:
وهو إلزام الذي يشق .. أو طلب فاه بكل الخلق
لكنه ليس يفيد فرعا .. فلا تضق لفقد فرع ذرعا
هكذا قال صاحب المراقي.