ثم قال وقيل في حده غير ما ذُكر لكن الأولى أن يُعبَر بتعريف النسخ رفع حكم شرعي بدليل شرعي متراخ، متراخ هذا لتخرج المخصصات المتصلة والمراد بالحكم هنا ما تعلق بالمكلف بعد وجوده أهلا وهذا واضح بيِّن، وقيل في حد النسخ هو كشف مدة العبادة بخطاب ثانٍ وهذا فاسد يعني مرادهم أن الخطاب الثاني لم يرفع الحكم وإنما بيَّن الحكم الأول مؤقت فحينئذ ما شرعه الله - عز وجل - ليستمر أبداً لم يُوجب مثلاً إيجاب الصدقة بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - على جهة التأبين لا وإنما شرعه مؤقتاً ثم نزل قوله {أَأَشْفَقْتُمْ ْ} مبيناً أن الوقت قد انتهى وهذا ليس بصحيح وهو كشف مدة العبادة بخطاب ثان مدة العبادة السابقة الذي ادعينا فيه أنه رُفع حكمها انتهى حكمها مُؤرَخة مؤقتة فحينئذ وظيفة الناسخ ما هو أن يرد ويبين لك أن العمل بهذه العبادة قد خرج وقتها انتهت هذا ضعيف أي بيان انتهاء مدة الحكم لا رفعه وإنما انقضى زمن الحكم الأول، وعليه ما الذي ينبني على هذا فيكون النسخ حينئذ من باب التخصيص ولكنه تخصيص في الأزمان لأن الأصل إطلاق أو شمول الحكم لكل زمن فجاء الناسخ أو الخطاب المتراخي فبيَّن أن الزمن ليس مستغرقاً لكل أوقات الحكم بل هو مُنتهي بوقت ما، وعليه فالنسخ تخصيص في الأزمان ويرد عليه قوله تعالى {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} فإن انتهاء مدة الصوم بظهور الليل ليس رافعاً لأنه مُغيَّى {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} إذاً بيَّن مدة العبادة أم لا؟ مدة العبادة، هل قوله {إِلَى الَّليْلِ} هل يعتبر ظهور الليل يعتبر رافعاً للحكم السابق؟ لا يعتبر رفعاً للحكم السابق فحينئذ النسخ لابد وأن يكون فيه معنى الرفع والإزالة وهنا ليس فيه معنى الرفع والإزالة إذا قيل النسخ هو كشف مدة العبادة السابقة أين الرفع والإزالة؟ هل تحقق فيه معنى النسخ لغة؟ الأصل لا وقوله تعالى {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} يدل على ذلك لأن الحكم مُغيَّب هنا غُيِّي بماذا؟ بإلى فدل على أن ظهور الليل لم ينسخ الصيام وإنما بيَّن مدته فإذا بيَّن مدته حينئذ يكون رفعاً للحكم السابق وإنما هو حكم مُغيى ينتهي بوجود الغاية وعليه فيكون هذا الحد فاسداً.