ورد إشكال: إذا قيل: الحكم الشرعي خطاب الله كلام الله عز وجل، الأحكام الشرعية نقول في الفقه مثلا: تستمد الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وعند من صحح فعل الصحابي وقول الصحابي والمصالح المرسلة وشرع من قبلنا إلى آخره، إذا حصرنا الأحكام الشرعية بكونها مأخوذة من القرآن فحسب، أو بكونها كلام الله فحسب حينئذ خرج كثير من الأحكام التي ثبتت بالسنة، والتي ثبتت بالإجماع، والتي ثبتت بالقياس، فحينئذ يكون هذا الحد غير جامع لأن ثم أحكام ثابتة بالسنة وهي أحكام شرعية، وثم أحكام ثابتة بالإجماع وهي أحكام شرعية، وثم أحكام ثابتة بالقياس وهي أحكام شرعية. وإذا قلنا الحكم الشرعي محصور في خطاب الله عز وجل صار الحد غير جامع. الجواب عن هذا نقول:
أولا: بالمنع، نمنع أن هذه المصادر مصادر الاقتباس للأحكام الشرعية نمنع كونها خارجة عن الحد، لماذا؟ أولا لأن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم راجع إلى خطاب الله عز وجل، لذلك قال المصنف: والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغٌ ومبين لما حكم به " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ " أليس كذلك؟ وجميع ما في السنة داخل في قوله تععالى – كما نص أهل العلم -: " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "، " مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ "، " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ " إلى آخر الآيات الدالة على أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة لله، وعلى أنا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مما جاء به الرب جل وعلا، حينئذ لا غشكال، فكل حكم شرعي ثبت بالسنة بخطاب النبي صلى الله عليه وسلم، نقول: السنة كاشفة للخطاب الإلهي الأصلي، وهو كونه وحيا، لقوله تعالى " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى "، إذن كل ما ثبت في السنة فهو داخل في القرآن فلا إشكال، فإذا قيل خطاب الله يشمل السنة كما يشمل القرآن.
ما ثبت من الأحكام الشرعية بدليل الإجماع نقول: معلوم اتفاق أهل الإجماع أن الإجماع لا بد له من مستند يستند عليه، وهو كتاب أو سنة، حينئذ رجع إلى خطاب الله.
ما ثبت بالقياس نقول: هذا لا بد له من أصل يعتمد عليه القائس، الأيس كذلك؟ المجتهد الآن عندما يجتهد لا بد أن ينقل حكم المعلوم إلى الفرع المجهول، المعلوم لا بد الذي هو الأصل الذي قيس عليه، لا بد أن يكون ثابتا بدليل شرعي. فإذا ثبت بالقرآن لا إشكال، فإذا ثبت بالسنة أرجعنا السنة إلى القرآن، فإذا ثبت حكم الأصل بالإجماع أرجعنا الإجماع إلى الأصل. حينئذ نقول لا تخرج هذه المصادر عن كونها خطاب الرب جل وعلا. إذن خطاب الله شامل للسنة ومشامل للإجماع وشامل للقياس. بعضهم عدل هذه العبارة، إذا تسليم الحل، نقول: خطاب الشرع أو قضاء الشارع كما قال هنا، لكن لا نعبر بالقضاء نقول خطاب الشارع أو خطاب الشرع، وإطلاق الشارع على الله عز وجل من باب الإخبار لا من باب أنه اسم من أسمائه جل وعلا، لقوله تعالى " شرع لكم من الدين ... "، حينئذ لا بأس من إطلاقه، فقيل الشارع هو الله ن وقيل أيضا الشارع هو النبي صلى الله عليه وسلم.