بعضهم يقول: الإيجاب هذا تعبير الأصوليين، والوجوب هذا تعبير الفقهاء، فإذا قيل أقيموا الصلاة نقول أوجب الله الله الصلاة إيجابا، فوجبت الصلاة وجوبا، فالإيجاب هذا وصف لنفس كلام الله لأنه هو الحكم الشرعي وهو صفة للحاكم، المدلول الذي هو الوجوب هذا ما دل عليه " أقيموا الصلاة "، إذن " أقيمو الصلاة " له نظران، له اعتباران، نظر الأصولي إذلى ذاته فنسبه إلى الله قائله، وهو حكم، والحكم صفة الحاكم، حينئذ قال " أقيموا الصلاة " هو الحكم الشرعي. الفقيه نظر باعتبار تعلقه بفعل المكلف، فقال ما دل عليه اللفظ " أقيموا الصلاة " وهو وجوب الصلاة. إذن نقول كما قال [ ... ] أن الحكم الشرعي عند الأصوليين والحكم الشرعي عند الفقهاء المعبر عنه بالإيجاب والوجوب هما متحدان بالذات مختلفان بالاعتبار، متحدان بالذات يعني الذات واحدة، وهي كقوله " وأقيموا الصلاة "، مختلفان بالاعتبار بالنظر، إن نسبت هذا اللفظ غلى كونه كلاما لله عز وجل، قلتَ هذا إيجاب وهو صفة له وهو حكم شرعي. إن نظرتَ إلى كونه متعلقا بفعل المكلف، فمدلوله وجوب الصلاة، هذا نظر الفقيه، وكلٌ نظر إلى بحثه؛ لأن موضوع أصول الفقه هو الأدلة، فحينئذ ينظر في نفس اللفظ، هذا بحث الأصولي، وموضوع الفقه هو أفعال العباد، فحينئذ ينظر الفقيه بهذا الاعتبار.
هنا ظاهر كلام المصنف الذي أختار أنه أسلم الحدود أنه يميل إلى الحكم الشرعي عند الفقهاء، ولذلك قال قضاء الشرع يعني ما قضى به الشرع، والذي قضى به الشرع هو مدلول خطاب الشرع، فحينئذ يكون هذا الحد على طريقة الأصوليين أم على طريقة الفقهاء؟ نقول الظاهر إنه على طريقة الفقهاء. والأولى أن يعرف بما عرفه جماهير الأصوليين، وهو أسلم الحدود من النقض والاضطراب ما ذكرناه لكم سابقا: خطاب الله المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع، هذا الحد تضعه بين قوسين وتقول: أسلمها من النقض والاضطراب، وهو أولى مما ذكره المصنف، ونشرحه ثم نأتي على ما ذكره المصنف.
(خطاب الله) خطاب هذا فِعال:
لِفَاعَلَ الفِعالُ والْمُفَاعَلَهْ = وغيرُ ما مَرَّ السماعُ عادَلَهْ