تنبيه قال الحقيقة أسبق إلى الفهم يعني ما تُعرَف بالحقيقة متى نحكم على اللفظ أنه حقيقة؟ قال الحقيقة أسبق من الفهم أن يكون اللفظ له معنيان الذي يسبق إلى الفهم هو الحقيقة والذي يكون ثانياً هو المجاز، رأيت أسداً الذي يتبادر إلى الذهن الحيوان المفترس إذاً استعمال الأسد في الحيوان المفترس حقيقة واستعماله في الرجل الشجاع هذا مجاز لكن يُقيَد هنا اللفظ أسبق إلى الفهم يعني من المجاز حيث لا قرينة أما إذا قُيد فحينئذ يكون المجاز أسبق لو قال رأيت أسداً يخطب أيهما أبدر المجاز أم الحقيقة أيهما أسبق في الفهم؟ المجاز أسبق إلى الفهم حينئذ صارت القاعدة هذه غير مضطردة لكن لابد من تقييدها قول الحقيقة أسبق إلى الفهم من المجاز حيث لا قرينة مع المجاز فإذا أطلق الترتيب هكذا رأيت أسداً حينئذ يُحمَل على معناه الحقيقي الذي هو اللغوي الحيوان المفترس مع احتمال الرجل الشجاع لكن ذاك أظهر فيُحمَل عليه أما رأيت أسداً يروي أو يخطب حينئذ صار المتبادل إلى الذهن هو المعنى المجازي فصار المجاز أسبق إلى الفهم، ويصح الاشتقاق منه يعني يصح الاشتقاق من اللفظ الذي استُعمل فيما وُضع له الذي هو الحقيق فيُتصَرَف فيه يُؤتى بالماضي ويُؤتى بالمضارع ويُؤتى بالجمع إلى آخره سائل المشتقات التي يمكن أن تُشتق من اللفظ دال على أنه حقيقة لأن التصرف في اللفظ يدل على قوته وتمكنه وأصالته حينئذ ويصح الاشتقاق منه يعني من الحقيقة لأن الاشتقاق هو تصرف يدل على أصالة اللفظ وقوته وتمكنه، والقول الآخر أيضاً يصح الاشتقاق منه وعليه لا يصح أن يُجعَل الاشتقاق علامة على الحقيقة لماذا؟ لأن المجاز وهذه يذكرونها في باب الاستعارة التبعية يُجرى أولاً في المصدر ثم بعد ذلك يُجرى الاستعارة التبعية فيما يُشتَق منه من الفعل أو غيره فحينئذ صح الاشتقاق من المصدر بعد أن أُجريت الاستعارة فيه، الاستعارة التبعية لها كلام طويل تُجرى أولاً في المصدر ثم بعد ذلك يُنتقل من المعنى المصدري الذي دخله المجاز إلى ما أُشتق منه من فعل أو غيره فحينئذ نقول صح الاشتقاق من المجاز وأحسن ما يُعرَف به الحقيقة عن المجاز هو ما ذكره أول وهو أ، المعنى المتبادل الذهن أولاً فيمن يحسن لغة العرب هو الذي يكون حقيقة وما عداه فهو مجاز والأصل في حمل اللفظ هو الحقيقة ولا يجوز أن يُحمَل على المجاز إلا مع استحالة حمله على الحقيقة وحيثما استحال الأصل يُنتَقل إلى المجاز وحيثما استحال حمل اللفظ على حقيقته يُنتقل على المجاز وبهذا القيد ترد على من أثبت المجاز في الأسماء والصفات فيُقال لا يمكن حملها على المجازات والقرينة التي يُقال أنها استحالة عقلية هذه قرينة فاسدة بفساد التصور عندهم وذكرنا هذا فيما سبق، يعني المقصود أنه لا يُجعَل الرد رد المجاز رداً للمؤولة والمحرفة بعضهم يظن أنه إذا رد المجاز معناه قد انتصر على الأشاعرة وغيرهم لا بل يوجد من الأشاعرة ومن المعتزلة من يُنكر المجاز وهو مُحرف مؤول فحينئذ نقول رد المجاز وجعله دليلا على رد تأويل وتحريف الصفات نقول هذا فيه نوع ضعف.