إذا قوله معرفة أراد به المُصنف الإشارة إلى أن المعرفة هنا تشمل الظن والقطع فحينئذ يدخل النوعان في مسمى الفقه، ولا يصح على قول أن يُعبَر بالعلم والمراد به الإدراك الجازم لإخراج ماذا؟ الظن، إذا قلنا الإدراك الجازم خرج كثير من الفقه و، وقصر الفقه على القطعيات دون الظنيات أو على الظنيات دون القطعيات هذا تحكم ولا دليل عليه، بل الصواب أن كل حكم شرعي قطعي ثبت عن دليل قطعي وأن كل حكم شرعي ظني ثبت عن طريق دليل ظني فهو فقه، لكن بقيد أنه مرتبط ومتعلق بأفعال العباد. إذاً قوله (معرفة) نقول المراد به مُطلق الإدراك، الشامل للأحكام القطعية والظنية، لماذا؟ لأن المراد مُطلق إطلاقه حكم شرعي سواء ثبت عن طريق دليل قطعي أو عن طريق دليل ظني، معرفة أحكام الشرع: نقول معرفة هذا جنس يشمل معرفة الذوات ومعرفة الصفات ومعرفة الأفعال ومعرفة الأحكام، معرفة الذوات كزيد ومعرفة الصفات كسواد أو بياض زيد، ومعرفة الأفعال كقيام أو اضطجاع زيد ومعرفة الأحكام كالحلال والحرام، ما المراد بالفقه هنا؟ معرفة أحكام الشرع، فحينئذ خرجت معرفة الذوات ومعرفة الصفات ومعرفة الأفعال. معرفة أحكام الشرع: ما المراد بالمعرفة هنا؟ نقول لما قُيدَت بالأحكام الشرعية والمراد بالأحكام الشرعية هي النسب التامة يعني الجُمل الاسمية أو الفعلية، الفقيه يُثبت حكم شرعياً لفعل من أفعال العباد، كل فعل لك أنت كعبد كمخلوق لله - عز وجل - كل فعل صادر منك سواء كان بالقلب أو باللسان أو بالجوارح لابد وله حكم شرعي إما التحريم وإما الإيجاب وإما الكراهة وإما الندب وإما الإباحة. إذاً كل فعل لك سواء صادراً من القلب أو من اللسان أو من الجوارح، هذه ثلاثة أشياء، لابد لكل واحد منها تعلق بالأحكام الخمسة فحينئذ نقول ثلاثة في خمسة بكم؟ خمسة عشر، ولذلك ابن القيم - رحمه الله تعالى – يقول: رحى العبودية تدور على خمس عشرة قاعدة من كملها فقد كمَّل مراتب العبودية. وذكر أن أفعال العباد مُنقسمة على هذه الثلاثة أشياء إما بالقلب وإما باللسان وإما بالجوارح، كل واحد منها له حكم من الأحكام الخمسة، يعني تتعلق به الأحكام الخمسة كقول اللسان، من القول ما هو مُحرَّم كالسب والشتم من القول ما هو واجب وتكبيرة الإحرام وما هو مكروه وما هو مندوب وما هو مُباح إذا خمسة كذلك الجوارح وكذلك القلب، إذاً خمسة عشرة قاعدة، من كملها ووقف قوله عند كل حكم شرعي ووقف فعله بالجوارح عند كل حكم شرعي ووقف اعتقاده وفعل قلبه عند كل حكم شرعي قد كمَّل مراتب العبودية.