وقد اُختلف الأعيان المنتفع بها قبل ورود الشرع بحكمها، قوله المُنتفَع بها هذا قيد احترز به عن بعض الأمور وعليه يُقال هذه مسألة لها التي هي الأعيان قبل ورود الشرع إن فُرض خلو الشرع لها ثلاث أحوال، الأعيان من حيث هي بقطع النظر عن كونها مُنتفع بها أو لا لها ثلاثة أحوال، أولاً ما فيه ضرر محض وليس فيه منفعة البتة، قالوا كالأعشاب التي تكون سامة قاتلة، بعض الشجر إذا أكل منه الإنسان مات لأن أعشابه تكون سامة، هذا فيه ضرر محض، النوع الثاني الذي يكون فيه ضرر من جهة ونفع من جهة أخرى، اجتمع فيه المصلحة والمفسدة المضرة والمنفعة من جهة وهذه م جهة الجهة منفكة، والضرر أرجح من المنفعة أو مساوي في هاتين الحالتين نقول الأعيان مُحرمة لقوله - صلى الله عليه وسلم - ل (لا ضرر ولا ضرار) ما فيه ضرر محض هذه الحالة الأولي، الثانية ما فيه ضرر من جهة ومنفعة من جهة، هاتان محرمتان، لأن الشرع القاعدة العامة الكبرى أن الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة، ولا ينهى عن ما مفسدته خالصة أو راجحة، لا يمكن أن ينهى عما مصلحته خالصة أو ينهى عما مصلحته راجحة ولا يمكن أن يأمر بما مفسدته خالصة أو مفسدته راجحة وهذا من أدلة بعض القائلين ببطلان الصلاة في الدار المنصوبة لأنها منهي عنها، وإذا كانت منهي عنها إما أن تكون المفسدة خالصة أو راجحة حينئذ المصلحة التي تضمنتها هذه الصلاة المنهي عنها تكون غير مُلتفت إليها والعبرة بالمفسدة الراجحة، الحالة الثالثة ما فيه منفعة محضة وليس فيه مضرة بوجه من الوجوه أو فيه ضرر خفيف لكنه غير مُلتفت إليه، الحالة الثالثة هي التي ذكرها المصنفون، لذلك قال في الأعيان المُنتفَع بها، إذاً هذه إمام أن تكون منفعتها خالصة أو يكون فيها نوع ضرر لكنه خفيف والمنفعة أرجح، احترازاً من ما كانت مضرته خالصة فلا يدخل في الحكم معنا، أو كانت فيه مضرة وفيه منفعة إلا أن المنفعة أقل والمضرة أرجح، إذا خرج بها القيد أمران. وقد اختلف في حكم الأعيان المنتفع بها قبل الشرع بحكمها، فعند أبي الخطاب – الحنبلي - والتميمي الإباحة كأبي حنيفة يعني أنها مُباحة، لماذا؟ قالوا لأن الله - عز وجل - خلقها لحكمة فإن لم نُثبت الحكمة هذا خلقها عبثاً، وهل يمكن أن يُفهم حكمة من خلق الأشجار والثمار وجري الأنهار بأنها تكون هكذا زينة للناس ولا يأكلون ولا يشربون؟ لا، لا يدرك العقل هذا وإنما يدرك أن الله - سبحانه وتعالى - خالق للإنسان وخلق هذه الأشجار وهذه المياه وكل ما يمكن أن ينتفع به على وجه الأرض ولم يُعلَم حكمه على قولهم لم يثبت شرع لا يمكن أن يدرك العقل أن هذه خُلقت هكذا عبثاً لا ليُستفاد منها لا ليُأكل لا ليُشرب وإنما نقول خلقها لحكمة ولا تُعلَم هذه الحكمة ولا تُدرَك إلا بكون الآدمي ينتفع بها، إذا هو خالل عن المقصود.