صيغ الحرام، متى نحكم على أن هذا الفعل حرام _كما حكمنا على الواجب بأنه واجب والمندوب بأنه مندوب_؟ لابد من صيغة تدل عليه، لابد من لفظ يدل عليه، الحرام نقول الأصل فيه أنه يدل عليه بصيغ: منها وأشهرها وأولها صيغة (لا تفعل)، (لا) الناهية الداخلة على الفعل المضارع: [لا تُشْرِكْ بِاللهِ]، الثاني: التصريح بلفظة التحريم وما اشتق منها: [حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أمَّهَاتُكُمْ]، [حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ]، نقول هذا حرام أو لا؟ حرام، ما الذي دل؟ لفظ التحريم، صُرِّحَ به، نُطِقَ بِهِ، كما قلنا في الأول: [لا تُشْرِكْ] نقول الشرك حرام، بدليل دخول (لا) الناهية على الفعل المضارع وجُزِمَ بها والنهي يقتضي التحريم، مطلق النهي يقتضي التحريم، وسيأتي في موضعه، الثالث: التصريح بعدم الحِلِّ، أو بنفي الحِلِّ: [وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا]، نقول هذا لا يحل، يعني يحرم عليكم الأخذ، الرابع: أن يقال ترتيب العقوبة، إذا رتبت العقوبة على الفعل _كما هناك إذا رتبت العقوبة على الترك في الواجب حكمنا عليه أنه واجب_ هنا ترتيب العقوبة على الفعل تجعلنا نحكم عليه بأن الفعل محرم: [وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ] ما هي العقوبة؟ [فَاقْطَعُوا]، إذن ما حكم السرقة من الآية؟ التحريم، ما الدليل؟ ما وجه الاستدلال؟ رتب عقوبة، [وَالسَّارِقُ] هذا فعل أو ترك؟ فعل، إذن فَعَلَ السرقة، فلما رتبت العقوبة وهي (فاقطعوا أيديهما) على فعل وهو السرقة=دلَّ على أن السرقة حرام، ثم قال: (فلذلك) أي: لأجل أن الحرام ضد الواجب يستحيل كون الشيء الواحد بالعين واجبا حراما، بمعنى أنه إذا كانا ضدين يستحيل اجتماع الضدين في محل واحد من جهة واحدة، هذا مراده، هل يمكن تقول (زيد قائم جالس) في آن واحد في زمن واحد؟ لا، لا يمكن، لماذا؟ لأن القيام والجلوس ضدان، فلا يمكن أن يكون في الساعة الواحدة في الوقت نفسه قائما جالسا، إذن يستحيل كون الشيء الواحد قد اجتمع فيه الضدان، كذلك إذا كان الواجب ضدا للحرام لا يمكن أن يكون الشيء الواحد حراما واجبا معصية طاعة، هذا من باب التقريب، ثم نقول: (الواحد) المراد به الوحدة يعني الاتحاد يعني اتحاد الشيء، إذن نقول المراد بالوحدة هنا الاتحاد، اتحاد الشيء في مكان واحد، قال: (الواحد بالعين) والمراد بالعين بالشخص، لأن الشخص قد يكون واحدا، يعني يوصف الفاعل بالوحدة، وهذا قد يجتمع فيه الثواب والعقاب، الحسنات والسيئات، وهذا مما يُرَدُّ به على المعتزلة، يعني الشخص الواحد الذي هو الآدمي يجتمع فيه ثواب وعقاب، هذا مذهب أهل السنة والجماعة، فيثاب على الحسنات تكتب له ويثاب عليها بشرطها، أما السيئات إن تاب منها قبل موته فإن قبلت التوبة بشرطها فالحمد لله، إن مات ولم يتب فهو تحت المشيئة، إن شاء الرب آخذه وإن شاء عفا عنه، هذا مذهب من؟ أهل السنة والجماعة قاطبة، بخلاف أهل البدع من المعتزلة ونحوهم الذين ينفون اجتماع الثواب والعقاب في شخص واحد، ولذلك عندهم أن من مات على كبيرة من غير توبة فهو خالد مخلد في النار، أما أهل السنة والجماعة فلا.
ولا نقول إنه في النار.:. مخلد فالأمر للباري.