ثم قد يحتاجون إلى أن يتكلموا لمصلحة الصلاة، كما إذا سها إمامهم ولم يجدوا بداً من أن يفتحوا عليه، ففي هذه الحال لهم أن يكلموه بقدر الحاجة لا أكثر، وذلك إذا لم يفهم فيتكلمون معه بقدر الحاجة، كما تقدم في حديث ذي اليدين: (أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى ركعتين وانصرف واعتقد أن الصلاة قد تمت، فتكلم معه ذو اليدين فقال: أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: لم أنس ولم تقصر، فقال: بلى قد نسيت، فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم) ، كل هذا كلام ليس من جنس الصلاة، ولكنه من مصلحتها، فللمأمومين أن يكلموا إمامهم إذا سها ولم يفهم إلا بإيضاح ذلك.
أما من تكلم ساهياً أو جاهلاً فإنه يعذر؛ وذلك لحديث معاوية بن الحكم السلمي لما أسلم وكان جاهلاً بالصلاة وصلى معهم؛ يقول: (فعطس رجل فقلت: يرحمك الله -يعني: وهو في الصلاة- فنظر الناس إليّ -يعني: استنكاراً- فقلت: واثكل أمياه، ما لكم تنظرون إليّ؟! فجعلوا يضربون أفخاذهم يسكتونني، فسكت، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم استدعاني يقول: فوالذي نفسي بيده ما رأيت معلماً أحسن منه، فوالله ما كهرني ولا زجرني، ولكنه قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو الذكر والدعاء وقراءة القرآن) ، فهذا هو الذي يشرع في الصلاة، وهو ذكر الله سبحانه وتعالى ودعاؤه وقراءة كلامه، أما الكلام العادي الذي بين الناس فإنه لا يجوز التكلم به.
فمن تكلم وهو جاهل فإنه معذور كما في قصة معاوية هذا، وأما من تكلم عامداً عالماً بالحكم فإنه تبطل صلاته.
وقد وقع في زمن أبي موسى أنه صلى مرة بأصحابه فتكلم رجل خلفه فقال: (ويحك! أقرنت الصلاة بالبر والزكاة، فلما سلم أبو موسى سأل: من الذي تكلم بهذه الكلمة؟ فسكتوا كلهم، ثم علمهم واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا) والإنصات معناه السكوت والاستماع، يعني: لا تتكلموا بشيء ليس من جنس الصلاة.
فالواجب على كل من يعرف أهمية الصلاة وحرمتها أن يخشع فيها ويحضر قلبه، وأن ينكر على من رآه متساهلاً فيها، فكما أن الكلام يبطلها فكذلك كثرة الحركات قد تكون أشد من الكلام، فتبطل بذلك.