حديث زيد دليل على أن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس؛ وذلك لأن الصلاة عبادة، فكانوا أول ما فرضت الصلاة كأنهم يحتاجون أن يتسامح معهم؛ لكونهم حديثي عهد بالإسلام، فرخص لهم في أن يكلم أحدهم صاحبه في حاجته أو يرد عليه أو نحو ذلك، ثم بعدما عقلوا وبعدما فهموا نهوا عن الكلام في الصلاة، ففي هذا الحديث دليل على النهي.
وهذه الآية في سورة البقرة: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] ، فالقيام لله معناه الوقوف في العبادة، والقنوت: هو دوام الطاعة، ولكن يفهم من القنوت الخشوع، والخشوع يستلزم الإقبال على الصلاة، وأن التكلم في نفس الصلاة فيه شيء من المنافات للقنوت؛ فلأجل ذلك أمروا بالسكوت ونهوا عن الكلام.
والكلام الذي نهوا عنه هو الكلام الذي يكون خارجاً عن الصلاة ولا يتعلق بمصلحتها، ومعلوم أن الصلاة ليس فيها سكوت مطلق، بل الإنسان لا يسكت إلا إذا كان خلف الإمام والإمام يقرأ، فإنه يسكت ويستمع لقراءته، أما في غير ذلك فإنه يقرأ، ففي حالة القيام يقرأ الإمام والمنفرد السورة والفاتحة، وكذلك المأموم في السرية يقرأ، وكذلك في الركوع كل منهم يسبح، يقول: (سبحان ربي العظيم) ، أو يثني على الله، وفي السجود يسبح، وفي جلسته بين السجدتين يدعو، وفي التشهد يتشهد، وفي الرفع بعد الركوع يأتي بالثناء على الله تعالى، فليس في الصلاة سكوت بل فيها كلام، ولكنه مناجاة بين العبد وربه.
فالكلام الذي نهوا عنه هو الكلام الذي كان يجهر بعضهم لبعض به، فيأمر أحدهم صاحبه بحاجته، ويكلم خادمه، ويردون السلام بالكلام ونحو ذلك، ثم نهوا عن ذلك وأمروا أن يتركوا الكلام الذي لا صلة له بالصلاة.