أما الحديث الذي بعده فيقول صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة -أو فأبردوا بالصلاة- فإن شدة الحر من فيح جهنم) ، يعني بذلك صلاة الظهر.
هذا الحديث يتعلق بالمواقيت، وهو أن الصلاة إذا كان في شدة الحر فإنها تؤخر إلى أن تنكسر شدة الحر، ولعل السبب في ذلك هو الإقبال على الصلاة، فإنهم إذا كانوا في حر شديد لم يقبلوا عليها ولم يخشعوا فيها، والمطلوب الخشوع، وهو لب الصلاة وروحها.
كانوا يصلون في المسجد وقد تكون دورهم بعيدة، قد يكون بين بعضهم وبين المسجد نحو أكثر من كيلو، وكانوا يأتون على أرجلهم مع شدة الحر وشدة الرمضاء، والمسجد أيضاً ليس فيه مكيفات، وليس فيه مراوح كهربائية، بل فيه حر شديد وعرق فهم عند أدائهم للصلاة قد يلاقون هذا الحر الشديد، فلا يقبلون على صلاتهم، ولا يطمئنون فيها، ويتمنون أن ينصرفوا؛ لما يجدون من التعب ومن المشقة، فلهذا الغرض أمرهم بأن يبردوا بالصلاة.
وقد روي: (أنه عليه الصلاة والسلام كان يبرد بالصلاة حتى في السفر) ، وذكروا: (أنه كان مرة في سفر فأراد بلال أن يؤذن فقال: أبرد، ثم أراد أن يؤذن فقال: أبرد؛ حتى رأوا فيء التلول) ، والتلول: هي كثب الرمل المجتمع، ومفردها تل، قوله: (حتى رأوا فيئها) أي: رأوا لها ظلاً، وذلك لا يكون إلا بعد أن تزول الشمس وتمشي كثيراً؛ فيكون ذلك سبباً لخفة الحر وحصول الإبراد.