فصدقناك)) صحيح، كذبته قريش فهاجر إلى المدينة، ((ج ئتنا مخذولاً فنصرناك)) أخرج النبي -عليه الصلاة والسلام- ((أومخرجيهم؟ )) قال: نعم، فأخرج من بلده، ((وطريداً فآويناك، وعائلاً فواسيناك)) هذا الكلام صحيح؛ لكن فيه إظهار للمنّة، ما يقولون مثل هذا الكلام وإن كان حقيقة وواقع؛ لأنهم لا يرون لأنفسهم منّة على الله ولا على رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وبهذا استحقوا هذه المنزلة، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي إلى رحالكم؟ )) يعني سهل أن يذهب الناس بحطام الدنيا، وأنتم تذهبون بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، أشرف مخلوق إلى رحالكم؟ ((لولا الهجرة لكنت امرؤ من الأنصار)) يعني لولا أن الله -جل وعلا- قسم خيار هذه الأمة إلى مهاجرين وأنصار والهجرة وصف شرعي تترتب عليه آثاره ولوازمه لا يمكن التخلي عنه كالنسب، لولا الهجرة لكنت امرؤ من الأنصار، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بالمعنى العام للنصرة هو الذي نصر الله به الدين، وهو الذي أقام الله به الدين؛ لكن بالمعنى الخاص، بالمعنى الأعم يدخل المهاجرون في الأنصار؛ لأنهم نصروا الدين، أي نصرٍ أعظم من نصر أبي بكر وعمر للدين؟ فهم أنصار بالمعنى الأعم؛ لكن بالمعنى الأخص الذي يريد أن يقرره النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يدخل فيه من ذكر، ((لولا الهجرة لكنت امرؤ من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها)) نعم كان الناس لما كانوا ينتقلون ويضربون في الأرض من مكانٍ إلى آخر تجد كل جماعة مع بعض، أهل البلد الفلاني، أهل أفراد القبيلة الفلانية، أبناء الرجل الفلاني، المقصود من يجمعهم وصف واحد تجدهم في شعبٍ مستقل، هؤلاء الذين يجمعهم وصف واحد، ((ولو سلك الناس وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعب الأنصار)) -عليه الصلاة والسلام-، فيقدمهم على غيرهم، يبقى في النفوس شيء بعد هذا الكلام؟! لن يبقى شيء قط، بل قد يجد من أعطي الأموال الطائلة في نفسه شيء من هذا الكلام؛ لكن الله -جل وعلا- هو المعطي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قاسم، ((إنما أنا قاسم والله المعطي)).