"فكأنهم وجدوا" الفعل (وجد) ثلاثي وجد ما يتغير؛ لكن المصدر يتغير، وجد وجداً، ووجد وجوداً، ووجد موجدةً، ووجد وجادةً، المقصود أن هذا من الموجدة، وهي الغضب، وجدوا في أنفسهم شيء، تأثروا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، وبعض الناس يتأثر؛ لأنه حرم من أمر الدنيا، وقد يقع أو يرد على خواطرهم أنهم احتمال أن يكون أثرهم في الجهاد ضعيف، ما استحقوا عليه شيء من الغنيمة، وهذا يحز في النفس، وهذا قد يورث في النفس مثل هذه الموجدة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- خطب ليبيّن الآن ليرفع الأنصار ويعطيهم حقهم أكثر مما أعطى غيرهم من حطام الدنيا، فخطبهم فقال: ((يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ )) نعم كانوا ضالين، ((ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ )) كانوا كفار، ((فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين)) يعني بينهم محن وعداوات وحزازات جعلت أقرب القريب من أبعد الناس عن قريبه، ((وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالةً فأغناكم الله بي؟ )) قال: ((ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ )) قالوا: "الله ورسوله أمنّ" يعني ما قالوا: أنت وجدتنا ضلال؛ لكن أيضاً وجدت قريش ضلال، وش الفرق؟ ما يمكن أن يقال مثل هذا الكلام؟ لكن هؤلاء الأنصار ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)) هؤلاء الأنصار بإمكان الواحد منهم أن يقول: جماعة قريش كانوا ضلال فهداهم الله، إيش الفرق؟ ليش تعطيهم واحنا لا؟ ما هو يمكن أن يقال هذا الجواب وهو صحيح؟ ما كانوا ضلال قريش وهداهم الله؟ كان جوابهم: "الله ورسوله أمنّ" المنّة لله -جل وعلا-، ((وكنتم متفرقين فألفكم الله بي)) قالوا: "الله ورسوله أمنّ" ما ردوا عليه بردٍ يمكن أن يكون مقبول، الله ورسوله أمنّ، ((وعالة فأغناكم الله بي)) وما قالوا أيضاً: قومك أكل بعضهم بعضاً، لما دعوت عليهم، وأكلوا الهوام، وأكلوا الجيف، وأكلوا كل شيء، ((عالةً فأغناكم الله بي؟ )) قالوا: "الله ورسوله أمنّ" النبي -عليه الصلاة والسلام- اقتنع إلى ما عندهم، اطمأن إلى ما في قلوبهم؛ لكن أراد أن يزيدهم طمأنينة وأن يرفع من شأنهم، قال: ((لو شئتم لقلتم: جئتنا بكذا وكذا، لو شئتم قلتم فصدقتم وصدّقتم، لو شئتم قلتم: جئتنا مكذباً