على كل حال الفتيا شأنها عظيم، وسلف هذه الأمة وأئمتها تدافعوها، بحيث يأتي السائل إلى البلد الكامل وهو مكتظ بأهل العلم، ويكاد أن يرجع دون أن يجد من يفتيه، يتدافعون الفتيا؛ لأن شأنها عظيم، وهو توقيع عن الله -جل وعلا-، وإذا كانت بغير علم صارت محض كذب على الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] وإذا ضممنا هذا الآية إلى آية الزمر {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] الإنسان عليه أن يحمد الله -جل وعلا- على العافية الذي لم يعين هذا الأمر عليه، فإذا تعين عليه يستعين بالله، لا يجوز له أن يترك بعد أن تعين عليه، ويحجم عن الفتوى، الذي يُسأل وعنده علم فيكتمه يلجم بلجام من نار يوم القيامة، نسأل الله السلامة والعافية، على كل حال المسألة تحتاج إلى مزيد عناية، ونرى الناس تتابعوا على هذا الأمر، وهم ليسوا بأكفاء، وكلام أهل العلم وسلف هذه الأمة وخيارها كثير في هذا الباب.
يقول: لا شك أنه إذا قال رجل من أهل الفضل: حدثني بذلك ثقة من الثقات فإنه قوله يقبل دون تردد؟
إذا قال: حدثني الثقة هذه مبحوثة عند أهل العلم، ولا يكتفون بهذا، بل لا بد أن يسمي من حدثه، عله أن يكون غير ثقة عند السامع، وهذا إبهام في التعديل.
ومبهم التعديل ليس يكتفي ... به الخطيب والفقيه الصيرفي
لأنه قد يكون ثقة عند الناقل، لكن ليس بثقة عند السامع، يختلفون في توثيقه فلا بد من تسميته، نعم إذا قال: حدثني الثقة من الأئمة المتبوعين، فعلى من يقلده في الفروع أن يقلده في مثل هذا.
يقول: وقد قعد العلماء أن الراوي إذا قال: حدثني الثقة لا يقبل منه ولو كان من الأئمة الكبار، فكيف نجمع بين ما تعارف عليه الناس وبين هذه القاعدة، وخاصة أنه قد يفعل ذلك أئمة كبار كالإمام مالك وغيره من الأئمة؟