وعن عائشة -رضي الله عنها- أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فأمرها أن تغتسل، قالت: فكانت تغتسل لكل صلاة.
نعم، فاطمة كانت تستحاض فسألت النبي -عليه الصلاة والسلام-، أم حبيبة أم المؤمنين استحيضت سبع سنين فسألت النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفي هذا دليل على أن المرأة تباشر السؤال بنفسها عما يخصها، لا مانع من مباشرتها عن السؤال فيما يخصها، ولا يقال: إن صوت المرأة عورة، لكن يجب عليها أن لا تخضع بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، لكن بعض النساء طبيعتها كذا، صوتها مغري، هذه بقدر الإمكان تخفف مما يغري الرجال بها، وإلا فالأصل أن صوت المرأة إذا كان بطريقتها العادية من غير تكلف وخضوع أنه ليس بعورة، لكن إذا وجدت الفتنة بصوتها أو بها حينئذٍ عليها أن تكف، لا تعرض نفسها لئن تفتتن أو تفتن، ولو كان هذه خلقتها، فتسأل بواسطة، إذا خشيت من الفتنة عليها أو على غيرها تسأل بواسطة، وإلا فالأصل أن تتولى المرأة السؤال بنفسها.
أم حبيبة أم المؤمنين استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فأمرها أن تغتسل فكانت تغتسل لكل صلاة، يعني المستحاضة التي يستمر معها نزول الدم، حكمها حكم من به حدث دائم، سلس بول، أو سلس ريح، أو جرح لا يرقأ، مثل هذا حدثه دائم، وحينئذٍ تتوضأ لكل صلاة.
"أمرها أن تغتسل" الأصل أن تغتسل مرة واحدة، كما جاء في الحديث السابق، فكانت تغتسل لكل صلاة، فاغتسال المستحاضة لكل صلاة مستحب، وليس بواجب، أمرها أن تغتسل مرة واحدة، فكان من عادتها أن تغتسل لكل صلاة اجتهاداً منها؛ لأن الأصل أن الأمر لا يقتضي التكرار، والتكرار يحتاج إلى أمر جديد، فأمرها أن تغتسل، فكان من احتياطها أنها كانت تغتسل لكل صلاة، وهي زوجته مع علمه -عليه الصلاة والسلام- فيؤخذ منه الاستحباب، ولا يلزم أن تغتسل لكل صلاة، وجاء أيضاً في الحديث: ((توضئي لكل صلاة)) فدل على أن وضوءها لا يرفع الحدث، ولو كان يرفع الحدث لما أمرت أن تتوضأ لكل صلاة، ولقائل أن يقول: إنه يرفع الحدث لكن خروج الدم مرة ثانية ناقض لذلك الوضوء، فيلزمها أن تتوضأ لكل صلاة، نعم.