شرح حديث أبي هريرة فيما يقال عند النوم

قال: [حدثني زهير بن حرب حدثنا جرير عن سهيل -وهو ابن أبي صالح السمان - قال: (كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام)].

وهنا نكتة ظريفة جداً: وهي أن سهيل بن أبي صالح هو ابن لـ أبي صالح السمان المسمى بـ ذكوان كان يقول: كان أبو صالح إذا أراد أحدنا أن ينام -يعني: إذا أراد أحد أبنائه أن ينام- أمره بكيت وكيت وكيت وهذا يدل على قيام السلف الصالح رضي الله عنهم بحسن تربية أبنائهم، وعدم تركهم حتى في لحظة نومهم، فكان أبو صالح السمان يأمر بنيه إذا أرادوا أن يناموا أن يناموا على السنة، وإذا قاموا أن يقوموا كذلك على السنة وعلى توحيد لله عز وجل.

قال سهيل: كان أبو صالح -أي: كان أبوه- إذا أراد أحدهم أن ينام [يأمره أن يضطجع على شقه الأيمن، ثم يقول: (اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم)].

وكل هذه مخلوقات، فالسماوات مخلوقة، والأرضين السبع مخلوقة، وكذلك عرش الرحمن تبارك وتعالى مخلوق، ولا خالق إلا الله عز وجل، فكأنه أراد أن يثبت في هذا الحديث كمال الربوبية لله عز وجل، وأن الله تعالى هو رب كل شيء ومليكه، وأن كل ما دون الله عز وجل مخلوق وخالقه هو الله.

وقوله: (اللهم رب السماوات السبع والأرضين ورب العرش العظيم)، كأن التقدير: رب السماوات وما فيهن والأرضين وما فيهن ومن فيهن، فإن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق الخلق جميعاً.

قال: [(ربنا ورب كل شيء)]، والشيء يطلق على العاقل وغير العاقل، يعني: أن الله تعالى هو الذي خلق الخلق أجمعين.

قال: [(فالق الحب والنوى)]، أي: الخالق للحب والنوى، والمدبر لكل شيء مهما دق وجل، يعني: مهما كان صغيراً دقيقاً، وربما لا يكاد يُرى إلا بأحدث المناظير؛ فإن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق كل هذا.

قال: [(ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان)].

فالله تبارك وتعالى هو الذي أرسل الرسل، وأنزل معهم الكتب، فأنزل مع موسى عليه السلام التوراة، وأنزل الإنجيل مع عيسى، وأنزل الفرقان مع محمد عليه الصلاة والسلام.

قال: [(أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته)]، وفي رواية: (من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها)، يعني: أنت قادر عليها ومتحكم فيها، وأنتم تعلمون أن الله تعالى على كل شيء قدير، فعلى العبد أن يستجير بربه أن ينجيه من شر كل ذي شر، والله تبارك وتعالى قادر عليه وآخذ بزمام أمره ومالك لناصيته، فإن هذه الثعابين والحشرات والعقارب والحيات وغيرها أشياء، وهي كذلك ذوات، وبإمكانها أن تؤذي هذا النائم، ولو قال المرء هذا قبل نومه فإن هذه الأشياء لو رتعت حوله بعد ذكره لهذا الدعاء فإنها إن شاء الله تعالى لا تضره.

وقوله: (أعوذ بك) أي: ألجأ إليك يا رب! أن تنجيني من شر كل شيء أو دابة أنت آخذ بناصيته أو بناصيتها.

[(اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء)]، أي: أنت الأول قبل أن تخلق الخلق، وقبل أن تخلق السماوات والأرض، فإن الله تبارك وتعالى أول بلا ابتداء، أي: لا بداية له؛ لأن كل شيء له بداية، مخلوق وحادث، والله تبارك وتعالى لا يلحقه الحدث، وهذا قول: لا يرضاه السلف، وكذلك لا نرضاه نحن، فإن كل ما لا يرضاه السلف لا نرضاه نحن كذلك في ديننا ولا دنيانا، ولكني أردت مزيد بيان أن كل شيء له أول وله بداية فإنما هو مخلوق، إلا الله عز وجل، فإنه الأول بلا ابتداء، وهو الآخر كذلك بلا انتهاء، وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء.

قال: (وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر).

وقد ورد في بعض روايات هذا الحديث: أن من قال هذا الحديث قضى الله تعالى عنه دينه، ولم يحوجه إلى أحد.

يعني: أغناه عن الناس.

[وكان يروي ذلك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم]، أي: أن الذي يروي هذا عن أبي هريرة هو أبو صالح السمان، وكأن السند عن سهيل عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر).

وأبو صالح السمان كان يأمر أولاده إذا أرادوا أن يناموا أو يأخذوا مضجعهم أن يقولوا هذه الكلمات ولا يتركهم ينامون حتى يقولوها؛ ليحفظهم الله عز وجل بهذه الكلمات المباركا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015