الباب الثالث عشر: (باب: استحقاق القاتل سلب القتيل).
هو في الحقيقة ليس من باب الوجوب، وإنما من باب النافلة للتشجيع، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (من قتل قتيلاً فله سلبه)، ولو أن سلب القتيل واجب رده أو دفعه إلى قاتله لما كان هناك غنائم ولما بقي للجيش غنائم، وإنما هذا من باب الاستحباب والنافلة؛ حتى يبذل المجاهدون أقصى ما في وسعهم من إثخان العدو.
[عن عمر بن كثير عن أبي محمد الأنصاري واقتص الحديث]، والحديث سيأتي معنا وهو: [عن أبي قتادة قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حنين، فلما التقينا كانت للمسلمين جولة قال: فرأيت رجلاً من المشركين قد علا رجلاً من المسلمين، فاستدرت إليه حتى أتيته من ورائه -وهذا كلام أبي قتادة - فضربته على حبل عاتقه، وأقبل علي فضمني ضمة شممت منها رائحة الموت، ثم أدركه الموت فأرسلني -أي: تركني- فلحقت عمر بن الخطاب فقال: ما للناس؟ فقلت: أمر الله -أي: شيء من الهزيمة قد لحق الناس- ثم إن الناس رجعوا، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من قتل قتيلاً له عليه بينة)] وهذا محل نزاع بين أهل العلم: هل يلزم إقامة البينة على أن فلاناً قتل فلاناً أم لا يلزم؟ الراجح من أقوال أهل العلم وهو ظاهر النصوص: أن البينة لازمة: (من قتل قتيلاً له عليه بينة) وهذا شرط، وإلا فلو كانت البينة غير لازمة لادعى أناس دماء أناس وأموالهم، أي: لو لم تكن البينة لازمة في مثل هذه الأمور لادعى أقوام أنهم قتلوا وسلبوا.
قال: (من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه).
والسلب هو: المتاع من خيل أو إبل أو عدة أو عتاد أو ذهب أو غير ذلك أي: كل ما تركه القتيل.
هذا يسمى السلب.
قال: (فقمت فقلت: من يشهد لي؟) أبو قتادة يقول: هل فيكم أحد يشهد لي أني قتلت فلاناً؟ قال: [(فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال مثل ذلك فقال: فقمت فقلت: من يشهد لي؟ ثم جلست، ثم قال ذلك الثالثة، فقمت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما لك يا أبا قتادة؟! فقصصت عليه القصة فقال رجل من القوم: صدق يا رسول الله! -هو الذي قتل فلاناً من الكفار- سلب ذلك القتيل عندي)] أي: هذا الذي قتله [أبو قتادة سلبه عندي، وأنا رأيت أبا قتادة يقتله (فأرضه من حقه، وقال أبو بكر الصديق: لاها الله)] يحلف أبو بكر أنه لا يمكن أحد أن يأخذ شيئاً إلا ببينة.
قال: [(إذاً: لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق.
فأعطه إياه)] أي: صدق أبو قتادة والشاهد الذي شهد له.
فأعطه سلبه، وكان أبو بكر الصديق يريد أن يمنعه ذلك السلب ويقول: يعمد أحدكم إلى أسد من أسد الله فلا يأخذ شيئاً، ثم هو يدعي أنه قتل فلاناً أو فلاناً، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم صدق الخبر في قتل أبي قتادة لذلك الكافر بوحي السماء.
قال أبو قتادة: ([فأعطاني -أي: السلب- قال: فبعت الدرع فابتعت به مخرفاً في بني سلمة)] أي: بستاناً عظيماً في بني سلمة.
قال: [(وإنه لأول مال تأثلته في الإسلام)] أي: اغتنمته في الإسلام.
[وعن عبد الرحمن بن عوف: أنه قال: (بينما أنا واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما -أي: صغار في السن- تمنيت لو كنت بين أضلع منهما)].
وكأن عبد الرحمن يقول: تمنيت لو كنت بين اثنين من الكبار، ولكني نظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين صغيرين.
قال: [(فغمزني أحدهما فقال: يا عم! هل تعرف أبا جهل؟ قال: قلت: نعم.
وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟! قال: أُخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم)] هذا طفل يغار على عرض النبي عليه الصلاة والسلام، وأمتنا الآن لا تغار على دين ولا شرع ولا رسالة ولا وحي ولا نبوة ولا أي شيء، أمة جديرة بأن تُسحق لولا أن الله كتب لها البقاء.
قال: [(أُخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده -أي: لا أفارقه ولا أفارق شخصه- حتى يموت الأعجل منا)] أي: حتى يُقضى بالموت على من كُتب له أن يموت أولاً.
قال عبد الرحمن بن عوف: [(فتعجبت لذلك)] أي: من هذا الطفل الصغير الذي عنده هذه الغيرة وهذه الحمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: [(فغمزني الآخر -أي: الذي عن شماله- فقال مثلها.
قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس -أي: يصول ويجول، ويذهب