الباب الثاني عشر: باب الأنفال.
قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال:1]، وقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال:41] إلى آخر الآيات، فمحل النفل قيل: هو أصل الغنيمة.
أي: أن كل الغنيمة التي يغنمها المسلمون من حربهم مع الكافرين.
أي: كل ما يغنمه المسلمون من الكفار أنفال.
والرأي الثاني: أن النفل هو أربعة أخماس الغنيمة.
والرأي الثالث وهو الصواب: أن الأنفال هي خمس الخمس، أو أن الأنفال الخمس الباقية.
فيُجعل أنصبة المجاهدين من الأربعة أخماس، والخمس الخامس هو الأنفال، ويجعل توزيعه أو تفريقه أو عدم تفريقه للإمام، والتنفيل ثابت بالإجماع، ويكون التنفيل لمن صنع في الحرب صنيعاً غير عادي، أي: أنه بذل مجهوداً خارقاً جداً، فبلا شك أن هذا يحتاج إلى مزيد عناية وعطية أكثر من الجيش، فإن رأى الإمام أن يعطيه أعطاه فضلاً عن سهمه في الأربعة أخماس.
أي: أنه يأخذ سهمه الطبيعي أولاً، ثم ينفل من الخمس الخامس، فهذه هي الأنفال، ولا تكون إلا بإذن الإمام، وتكون في كل غنيمة إلى قيام الساعة، فالأنفال هي العطايا من الغنيمة -كما قلنا- غير السهم المستحب.
عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: (أخذ أبي من الخمس سيفاً فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هب لي هذا، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يهب له السيف، فأنزل الله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال:1]) أي: لا يفرض على الإمام شيء في أن يهب فلاناً أو لا يهب آخر.
ولذلك قال سعد: (نزلت في أربع آيات: أصبت سيفاً فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم) أصبت سيفاً في غزوة من الغزوات، ولكنه أُعجب به جداً فأراد أن يأخذه إما من الغنيمة أو من الأنفال إما من أصل الغنيمة أربعة أخماس أو من الأنفال، وإذا كان هذا أو ذاك فلا بد أن يأذن الإمام وإلا صار غلولاً؛ ولذلك أتى ليستأذن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: (ضعه -لا تأخذه- ثم قام فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ضعه من حيث أخذته، ثم قام فقال: يا رسول الله! نفلنيه -أعطنيه من باب النافلة- فقال: ضعه، فقام فقال: يا رسول الله! نفلنيه -عدة مرات- أأجعل كمن لا غناء له؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ضعه من حيث أخذته، فنزلت هذه الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال:1])].
[وعن ابن عمر قال: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية وأنا فيهم قِبل نجد -ونجد الآن هي الرياض وما حولها من المدن- فغنموا إبلاً كثيرة، فكانت سهمانهم اثنا عشر بعيراً أو أحد عشر بعيراً)] أي: أن أسهمهم من أصل الغنيمة لكل واحد اثنا عشر بعيراً أو أحد عشر بعيراً.
قال: [(ونُفلوا بعيراً بعيراً)] أي: من الخمس الخامس أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم فوق سهمهم -الذي هو اثنا عشر بعيراً- لكل واحد بعيراً بعيراً.
إذاً: فهم أخذوا اثني عشر بعيراً وهذا سهم القتال، وأخذوا فوق ذلك بعيراً بعيراً من الأنفال.