قال: [وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا شيبان بن عبد الرحمن -وهو النحوي - قال: قال قتادة: سمعت أبا نضرة يحدث عن سمرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى عنقه)].
قتادة مدلس، والمدلس إذا قال: قال فلان، أو عن فلان فلا يؤمن منه التدليس، والتدليس من أخطر العلل، التي يمكن أن تصيب الإسناد، وهناك علل تصيب الراوي، وعلل تصيب الإسناد نفسه، وهناك علل إذا اجتمعت في الراوي أو انفردت فيه أصابت الراوي نفسه، وقد يكون الراوي ثقة، لكنه يأتي بعلة تصيب الإسناد مثل التدليس، فالتدليس هذا من العلل التي تصيب الإسناد ولا تصيب الرواة؛ لأن الراوي يكون ثقة ومدلساً.
وتدليس الإسناد: هو أن يقول الراوي: قال فلان أو عن فلان، ولا يقول: حدثنا، ولا أخبرنا، ولا أنبأنا.
لا يأتي بصيغة تفيد السماع، وإنما يأتي بصيغة تحتمل السماع كقال، وعن، وهو يقصد أن فلاناً قال هذا، لكنه لم يلق فلاناً الذي قال هذا الحديث، ولم يسمع منه هذا الحديث وإنما قال: قال فلان؛ حتى يوهم السامع أنه قد سمع وليس كذلك، وهذا تزييف، والراوي يروي عمن لقيه وسمع منه، ولكنه في هذا الإسناد بالذات روى عنه ما لم يسمع عنه بصيغة تحتمل السماع.
إياك أن تقول: (بصيغة تفيد السماع)، فـ (قال، وعن)، توهم ولا تفيد، فتوهم الناس أنك قد سمعت منه وليس الأمر كذلك، هذا نوع من أنواع التدليس.
النوع الثاني: اسمه تدليس التسوية، يأتي الراوي الثقة المشهور بنوع معين من التدليس اسمه تدليس التسوية.
قال: [يحدث عن سمرة أنه سمع نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه)] يعني: منهم من تصله النار إلى الكعبين.
قال: [(ومنهم من تأخذه إلى حجزته)].
وفي رواية: (إلى حقويه).
والحجز أو الحقو هو مقعد الإزار والسراويل من البدن، وهو العظمة الناتئة في الجنبين، اسمه الحجز، أو الحجاز الذي يحجز ما بين أسفل البدن وأعلاه، فالنار تبلغ العبد إلى هذا المبلغ، أو تبلغ إلى كعبيه، أو ركبتيه.
قال: [(ومنهم من تأخذه إلى عنقه)].
يعني: تبلغه النار إلى العنق، وهذا في موقف الحشر والحساب، وذلك العرق قبل دخول النار، يوم يخرج الناس من الأجداث سراعاً إلى أرض المحشر وتدنو الشمس من الرءوس حتى تكون منهم على قدر ميل.
قال الراوي: إما أن يكون الميل هو ميل الأرض -أي: المسافة- وإما أن يكون الميل هو المرود الذي تكتحل به المرأة.
فهذا يسمى ميلاً في اللغة.
يوم تدنو الشمس من الرءوس فيكون الناس في عرقهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يبلغه العرق إلى كعبيه، ومنهم إلى ركبتيه، ومنهم إلى حقويه، ومنهم إلى عنقه حتى يلجمه العرق إلجاماً كل هؤلاء في موقف واحد، وفي أرض واحدة هي أرض المحشر، فانظروا إلى عظيم صنع الله عز وجل وعظيم قدرة الله تعالى، أنك تقف في العرق إلى كعبيك ومن بجوارك يلجمه العرق إلجاماً، لا يبغي عرقه عليك، ولا يبغي عرقك عليه، كل واحد في عرق على قدر عمله هو، وإذا كان العرق هذا ماء يسيل، فالله عز وجل يركب فيه القدرة ويأمره بأن لا يسيل، فيمتثل، والعرق مخلوق ولا بأس أن يركب الله تعالى فيه تمييزاً ليتلقى الأمر ويعمل به في ذلك الوقت، وفي هذا الوقت ليس هناك مخلوق يخالف الأمر أو يرتكب النهي، ولذلك لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يأتي الناس إلى ربهم يوم القيامة حفاة عراة غرلاً).
والغرل هو الذي لم يؤخذ من عضوه هذه القطعة الزائدة التي تسمى الختان أو الخفض عند النساء، كل إنسان يرجع إلى ربه كاملاً حتى هذا الجزء الدقيق الذي يختن من البدن يرجع إليه ويأتي إلى ربه كما خلقه أولاً، حينئذ قالت عائشة: (يأتون عراة ينظر بعضهم إلى سوأة بعض! قال: يا عائشة الأمر أشد من ذلك).
يعني: لا يمكن لأحد أن يفكر فيما تخافين منه.
لا يمكن أن يخطر ببال أحد.
إذا كان المرء في هذه الدنيا لو نزلت عليه مصيبة أو أصابه مرض لا يجامع، ولا يأكل، ولا يشرب، وتصبح حياته كلها مقلوبة، فكيف بمن يقابل الملك الجبار الذي ينتقم من الجبابرة والظلمة؟ لو يعلم الظالم ما عند الله من العذاب لتمنى أن يكون تحت الأرض وليس فوقها.