[حدثنا يحيى بن أيوب، حدثنا خلف بن خليفة، حدثنا يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة].
هناك في طبقة التابعين اثنان كل واحد منهما يكنى بـ أبي حازم أحدهما يروي عن أبي هريرة والثاني: يروي عن سهل بن سعد الساعدي.
أما الذي يروي عن سهل بن سعد فهو سلمة بن دينار، والذي يروي عن أبي هريرة هو سلمان مولى عزة.
[قال أبو هريرة (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع وجبة)].
وجبة: سقطة، كأن شيئاً سقط من السماء، فأحدث دوياً وزلزالاً.
[(فقال النبي عليه الصلاة والسلام: تدرون ما هذا؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم)].
هكذا أدب الصحابة رضي الله عنهم حتى وإن كانوا يعلمون، كانوا دائماً يردون العلم إلى الله ورسوله، وهذا في حياة الرسول، وإلا فمن الخطأ في الاعتقاد: ما يتعاطاه الناس فيما بينهم: أنك تسمع الرجل الآن يقول: الله ورسوله أعلم.
والصواب أن يقول: الله أعلم.
أما (الله ورسوله) فهذا في زمان الرسول وفي حياة الرسول عليه الصلاة والسلام.
والنبي عليه الصلاة والسلام يسأل معاذ بن جبل: (يا معاذ أتدري ما حق الله على العبيد؟ قال: الله ورسوله أعلم).
وهو يعلم.
أم كيف أسلم؟ فقضية الإيمان والتوحيد كانت عندهم قضية محسومة معروفة.
ويسألهم في عرفة: (أتدرون في أي يوم أنتم، في أي شهر أنتم، في أي بلد أنتم؟ وهم يقولون: الله ورسوله أعلم).
وهذا من الأدب.
أما الآن لو أن شيخاً سأل سؤالاً، أو رجلاً من أهل العلم سأل سؤالاً وحوله عشرة من الطلاب لسمعت اثنا عشرة إجابة.
ولو أن واحداً سأل سؤالاً، لأجاب كل واحد من الواقفين بإجابة أو إجابتين، ولا يزال الشيخ بعد لم يتكلم.
أهذا أدب؟! أهذه أخلاق؟! كان الواحد منهم إذا سئل وجبر على السؤال لا يتكلم، ويزعم أنه لا يعرف شيئاً ولا يحسن شيئاً، أما الآن فتجد الطالب جاهلاً وراسباً في الإعدادية، ومع هذا لا يفلت منه سؤال وكلها إجابات بالهوى، وبالرأي، وبالذوق، والوزن، أما في التأصيل العلمي فليس عنده شيء، ومع هذا فهو جريء: (أجرأ الناس على الله أجهلهم بالله) ولو أن المرء تعلم العلم وتعلم معه الأدب لهرب دائماً من موطن المسئولية.
وهذا ابن أبي ليلي كان يقول: أدركت مائة وعشرين من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام كلهم كان إذا سئل في مسألة ود أن أخاه كفاه، وإذا سئل في حديث ود أن أخاه كفاه، فكان الداخل يدخل فيسأل الأول، فيحيله إلى الثاني، والثاني إلى الثالث، حتى يسأل المائة وأكثر من ذلك فيرجع بها إلى المسئول الأول، فلا يجد بداً إلا أن يتكلم فيتكلم حينئذ.
وكذلك الذي نقوله في الإفتاء والتدريس نقوله في القضاء، وفي الفصل في الخصومات والمنازعات، هذا سفيان الثوري إمام الحديث، وإمام الفقه في الكوفة حمله الوالي أن يتولى القضاء فاحتال حيلة ليخرج من ذلك.
وفي هذا الوقت لما يقولون: هناك منصب قضاء، نريد من يتولى قاضي المحكمة الجنوبية في الجيزة، فستحصل الرشوات بمئات الآلاف، ودعايات وإعلانات بمئات الآلاف وغير ذلك من المخالفات الشرعية، وكل ذلك ليجلس على مكان يحكم فيه بغير ما أنزل الله، وهذا بلاء آخر، والأصل فيه أنه هو البلاء الأول.
أما سفيان الثوري لما أرغم على قبول القضاء أنزل اللعاب من فمه لكي يقال أنه لا يصلح لذلك، وأنه معتوه.
ففهم الوالي ذلك فقال له: مهما عملت فلابد وأن تكون قاضياً.
فقال: دعني أستخير ربي وأنظر في أمري.
قال: لك ذلك.
سترجع إلينا ثانية يا سفيان؟ قال: نعم.
فخرج سفيان بدون حذاء ثم رجع مرة أخرى إلى مجلس الوالي، فأخذ نعله وانصرف.
فقال أحد العلماء الحاضرين: يا أيها الولي لا يرجع سفيان.
قال: لقد وعدنا أنه سيرجع.
قال: لقد ترك حذاءه ورجع فأخذه.
فهذا هو ما قصده سفيان.
وإننا في هذا الوقت لو عرضنا أفعالنا وأقوالنا على أفعال السلف وأقوالهم، لوجدنا اختلافاً كبيراً، الواحد لما يعرض أقوله وأعماله على أقوال وأعمال السلف يجد نفسه صفراً، ويوقن بالهلاك ويوقن بالنار لولا رحمة العزيز الغفار سبحانه وتعالى.
قال: [(كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع وجبة)].
أي: سقطة.
[(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تدرون ما هذا؟ قال: قلنا الله ورسوله أعلم.
قال: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار إلى الآن حتى انتهى إلى قعرها)].
أي: حجر ألقي في نار جهنم منذ سبعين عاماً فهو يهوي في النار إلى الآن، وهذا يدل على بعد قعر جهنم، ولذلك فإن المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر لو سمعوا هذا وعلموا