نحن نفشي علوم السنة بين الناس، ونعلمهم كيف نُقِل إلينا هذا الحديث؛ لأن هذا المغبون الخاسر الذي يتكلم عن أحاديث الشفاعة، يقول: وأما البخاري فسوف يحاسبه الله عن الروايات التي أوردها، والأباطيل والأكاذيب التي أثبتها ونسبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم! أهذا الكلام يقال للبخاري؟! يقال للبخاري: إنك لا تعرف المكذوب من الضعيف من الصحيح، وسوف يحاسبك الله عن هذا الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا عجب! فقد قال قديماً فرعون عن موسى عليه السلام: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:26] ، هذا موسى يظهر في الأرض الفساد؟! رَمَتْني بدائها وانسلَّتْ.
فلما يقال للبخاري: أنت رجل جاهل، إذ راجت عليك الأكاذيب، وأنت لم تميز الأحاديث الصحيحة من الضعيفة من الموضوعة، وأثبتَّ الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وسوف يحاسبك الله.
فلما يقال هذا الكلام عن البخاري، الذي يعتبر قمة في الحديث عندنا، فإذا أردنا أن نزن علماء الدنيا فسنضع الإمام البخاري رحمه الله في القمة، وصحيحه له من البركة ما ليس لكتاب في الدنيا بعد القرآن.
فسبحان الله! الناس حظوظ وأرزاق، والإخلاص يرفع صاحبه.
هذا الإمام البخاري الأعجمي، كيف صار إمام الدنيا وصار أشهر من شيوخه رحمة الله عليه؟! وكان ابن صاعد إذا ذُكر البخاري قال: ذاك الكبش النطاح؛ يعني الذي لا يقف أحدٌ معه في الحلبة، إذا نطح أسقط من يناطحه في الحال، يعني: صاحب حجة بيِّنة دامغة.
فلما يقال عن البخاري الذي هو قمة من قممنا: إن هذا الرجل ما كان يدري الصحيح من الضعيف، وينسب الأكاذيب إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
فأقول: إن دراسة السنة صارت متعينة على شباب المسلمين ممن لهم كفاءة، حتى يردوا ويدفعوا عنها أمثال هؤلاء الحمقى.
الإمام البخاري رحمه الله أخرج هذا الحديث عن شيخه عارم، فـ عارم بن الفضل تكلم بعض العلماء فيه، وقالوا: إنه اختلط، وساء حفظه، وأرَّخوا سنة عشرين ومائتين كحدٍ فاصل بين ما حدَّث به قبل الاختلاط، وبين ما حدث به بعد الاختلاط، وهذا مِن الجهود المغمورة التي قام بها علماء الحديث، التي لا تعرفها الجماهير، هؤلاء العلماء لهم جميلٌ في عنق الأمة لم تؤده الأمة لهم، لا بالثناء ولا بالشكر، بل خرج مَن قال: إن المحدثين ليسوا فقهاء، وإن المحدثين مع الفقهاء مثل البنّاء والمناول، وقال: إن الفقيه هو البناء الذي يأخذ اللَّبِنَة ويضعها بجانب اللَّبِنَة، ويزن بالخيط، فهذا هو الفقيه، أما المحدث فهو الذي يناول البناء الطوبة: خذ يا بناء، يعني أن المحدث هذا لا يفقه شيئاً!! كل دوره أن يأخذ الحديث ويقول: تفضل خذ الحديث يا فقيه، أهؤلاء هم المحدثون؟!! فنقول لهم:! البخاري ها هو محدث، وإن أردت أن تدرس الفقه، وتستمتع بالفقه فاقرأ تراجم الإمام البخاري، وكذلك سائر الأئمة الستة، والإمام أحمد كان من ضمن المحدثين، والإمام الشافعي رحمه الله كان يقول لـ أحمد: يا أحمد إذا صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كوفياً كان أو حجازياً أو شامياً، أو بصرياً فأعلمني به حتى أذهب إليه.
قال الذهبي: ولم يقل: أو مصرياً؛ لأنه كان أعلم بأحاديث أهل مصر من أحمد، ولما تقرأ كتاب: الرسالة، وتقرأ كتاب: الأم ترى الشافعي في كل جزئية فقهية يحتج بالحديث، والإمام مالك رحمه الله إذا ذُكِر الحديث فـ مالك النجم.
فكلهم أهل حديث، ومنَّ الله عليهم بالفقه.