غالب المحدثين فقهاء، وغالب الفقهاء ليسوا محدثين.
إذاً المحدثون كل راوٍ تكلموا فيه رفضوا مروياته، مثل عارم بن الفضل الذي قالوا فيه: إنه اختلط، واختلط بمعنى تغيَّر حفظه، مثال الاختلاط: رجل يدخل على أبيه -هل يلتبس الابن على الأب؟! - فلما يدخل عليه يقول له: أين أبوك؟! هل أبوك بخير؟! ما رأيتُه منذ مدة؟! أهو مسافر أم ماذا؟! فلما يقول هذا الشخص هذا الكلام يكون قد اختلط، فسقط تمييزه، هذا معنى الاختلاط عند المحدثين، أنه يتكلم بكلام غريب مثل المثال الذي ضربته الآن.
فالمحدثون يقومون بضبط تاريخ اليوم الذي اختلط فيه؛ لأنه شيخ، وكل يوم له مجلس ويقول: حدثنا، وأخبرنا، فهم يريدون أن يميزوا ما بين أحاديثه وقت الاختلاط، وأحاديثه قبل الاختلاط؛ لأنه لما اختلط سيدخل الأسانيد في بعضها، والمتون في بعضها، وهذا دين وشرع يجب المحافظة عليه.
فحينئذٍ لابد من تمييز الوقت الذي اختلط فيه.
فـ عارم اختلط سنة (220هـ) فـ أبو حاتم الرازي يقول: من سمع منه قبل سنة (220هـ) فسماعه جيد، وسمع منه أبو زرعة الرازي سنة (222هـ) ، إذاً: سمع منه في الاختلاط أم لا؟ فإذا رأينا في الأسانيد حدثنا أبو زرعة الرازي، قال: حدثنا عارم نقف، ونبحث هل عارم هذا حفظ هذا الحديث، أم كان من جملة ما اختلط فيه؟! إذاً: ربما تقول: وأنا ما أدراني هل اختلط أم لم يختلط، هذا موضوع بعيد؟! نقول لك: يُعْرَف ذلك بما يسميه أهل الحديث بالمتابعة.
ما هي المتابعة؟ المتابعة معناها: الموافقة.
مثل هذا الإسناد.
وأنا أرى يا إخواننا أنكم تساهلتم في طلب العلم، كيف ذلك؟! تأتون إلى الدروس بدون دفاتر وبدون أقلام، وبدون كتب.
أقول: إن من حق العلم علينا أننا نأتي بالكتاب وبالأقلام، ونقيد الفوائد بالكتابة، وكما قال الأول: أيها الطالب علماً ائتِ حماد بن زيد فاستفد حلماً وعلماً ثم قيده بقيد أي معلومة لا تقيدها تفر منك في أسرع وقت، ومهما حاولت الإتيان بها فلن تستطيع.
فمن حق العلم أنك تأتي إلى مجلس العلم بسمت طالب العلم.