هذا الحديث كما ذكرنا رواه البخاري في كتاب العلم عن شيخه عارم بن الفضل، وقد رواه البخاري أيضاً في موضعين آخرين من صحيحه، الموضع الأول سيأتينا في كتاب العلم أيضاً، الذي هو: باب من أعاد الحديث ثلاثاً ليفهم عنه) .
روى هذا الحديث بعينه من طريق شيخه مسدد بن مسرهد، قال: حدثنا أبو عوانة، وساق الإسناد بمثل رواية عارم هنا، ثم رواه في كتاب الوضوء، قال: باب غسل الرجلين، قال: حدثنا موسى، قال: حدثنا أبو عوانة وساق الإسناد بمثل رواية عارم هنا، وموسى شيخ البخاري هو: موسى بن إسماعيل التبوذكي أبو سلمة، وهو من كبار شيوخ البخاري، وقال يحيى بن معين: ما هبتُ أحداً قط هيبتي للتبوذكي، وهذه شهادة من بين فكي أسد، فـ ابن معين كلهم كانوا يخافون منه، فعندما يخاف يحيى بن معين من واحد أو يهابه، فكيف تكون جلالته، موسى بن إسماعيل التبوذكي هذا من الثقات ومن كبار شيوخ الإمام البخاري.
إذاً: هذا الحديث يرويه ثلاثة من الرواة عن أبي عوانة، هذا التصرف له دلالة، وأرجو أن تعيروني الأسماع، ولا تتضجروا إذا تكلمنا في علم المصطلح، وأنا أعلم أن كثيراً من الجلوس يحب ذلك، لكن قد يكون من الجلوس من لا يشاركهم هذه المحبة، لكن نحن في زمان صارت دراسة مصطلح الحديث متعيِّنة؛ بسبب طعن الجهلة بالسنة، حتى يتعلم الطلبة كيف نقل العلماء سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لم تحظ أمةٌ من الأمم من عناية أهلها بسنة نبيها، والمحافظة عليها، كما حدث لهذه الأمة.
وهذا المغبون قليل الحظ، الذي أشرنا إليه في مطلع الكلام لا يفرق بين السيرة والحديث، يقول لك: لا فرق بين كتب السيرة وكتب الحديث.
وبعض الطلبة أرسل لي قصاصات من أوراق يذكر فيها: أنه يوجد شخص آخر نشر كتاباً وأنكر أن يكون آدم أبا البشر، وأنه يقول: إن حديث احتجاج آدم وموسى حديث ضعيف، وهذه الأحاديث كلها أحاديث آحاد، ولا يؤخذ بها في العقيدة، وأنا في الحقيقة لن أتكلم عن هذا الكتاب حتى يأتيني وأنظر في كلام صاحبه.
لكن الملاحظ أن هناك هجمة شرسة من كل مكان على السنة وفي وقت واحد.
بل حدثني من أثق به من الشيوخ، ولم أر هذه المقالة النكراء، أن امرأة شمطاء من فلول المتحللين وكانت واحدة من زعمائهم، كتبت مقالة تقول: لِمَ لَمْ يكن الله أنثى؟ وهذه المقالة نشرت في صحيفة، وقد جاءني أحد الإخوة وقال: ما رأيك لو ترد على المقالة؟ وتخيّل لما تصل الجرأة بهذه المرأة لتكتب هذه المقالة، -وهي قطعاً كافرة- فكيف يمرر هذا العنوان من الرقابة؟! الذي مرَّر هذا ليس عنده دين، هو مثلها في الكفر، وتنظر كل يوم سخائم في الجرائد والمجلات، وكلها عبارة عن سهام موجهة إلى صرح السنة النبوية.
والإخوة الرسميون المهتمون بالسنة لم يتكلموا حتى الآن، ولم يردوا حتى الآن؛ لكن الله عز وجل سيحول بينهم وبين ما يريدون، وأن مَن هو أعتى منهم سقط تحت النعال وبقيت السنة شامخة، فنحن على يقين من هذا، فالحمد لله تعالى نحن على يقين أننا لن نهزم في الجولة إن شاء الله؛ لكن الغريب المريب: هو ردُّ فعل الجماهير، ورد الفعل الرسمي على مثل هذا الخبَث، الذي يؤذي العيون والأسماع كل يوم، وكله موجه إلى صرح السنة.