للحديث، وإن وليت الراهب منها خشيت أن لا يقوم بها. وفى هذا كله دليل على جواز عقد الخلافة من الإمام لغيره بعده، وأن أمره فى ذلك على عامة المسلمين جائز. قال بعض الشافعية: فإن قال قائل: لم جاز للإمام تولية العهد، وإنما يملك النظر فى المسلمين حياته وتزول عنه بوفاته، وتولية العهد استخلاف بعد وفاته فى وقت زوال أمره وارتفاع نظره، وهو لا يملك فى ذلك الوقت ما يجوز عليه توليه أو تنفذ فيه وصيته. قيل: إنما جاز ذلك لأمور منها إجماع الأمة من الصحابة ومن بعدهم على استخلاف أبى بكر عمر على الأمة بعده، وأمضت الصحابة ذلك منه على أنفسها، وجعل عمر الأمر بعده فى ستة، فألزم ذلك من حكمه، وعمل فيه على رأيه وعقده، ألا ترى رضا علىّ بالدخول فى الشورى مع الخمسة وجوابه للعباس بن عبد المطلب حين عاتبه على ذلك بأن قال: الشورى كان أمرًا عظيمًا من أمور المسلمين، فلم أر أن أخرج نفسى منه. ولو كان باطلاً عنده لوجب عليه أن يخرج نفسه منه ولما جاز له الدخول معهم فيه. ومنها أن المسلمين إنما يقيمون الإمام إذا لم يكن بهم لحاجتهم إليه وضرورتهم إلى إقامته ليكفيهم مئونة النظر فى مصالحهم، فلما لم يكن بد لهم من رأيه وأمره فيما يتعلق بمصالحهم رأى ولا نظر، فكذلك فى إقامة الإمام بعده؛ لأنه من الأمور المتعلقة بكافتهم وصلاح عامتهم، وقطع التنازع والاختلاف بينهم، ولمثل هذا المعنى أرادوا، فكان رأيه فى ذلك ماضيًا عليهم، وجرى مجرى الأب فى توليته على ابنه الصغير بعد وفاته عند عدم الأب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015