وأما قول عمر فى خطبته: (كنت أرجو أن يعيش النبى (صلى الله عليه وسلم) حتى يدبرنا) يعنى: حتى يكون آخرنا. فإنما قال ذلك اعتذارًا مما كان خطبه قبل ذلك يوم وفاته (صلى الله عليه وسلم) حين قال: إن محمدًا لم يمت وإنه سيرجع ويقطع أيدى رجال وأرجلهم حتى قام أبو بكر فقال: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لم يمت، وتلا: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) [آل عمران: 144] الآية. وقد ذكر ابن إسحاق، عن ابن عباس، عن عمر أنه قال: إنما حملنى على مقالتى حين مات النبى (صلى الله عليه وسلم) قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا) [البقرة: 143] فوالله إن كنت لأظن أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سيبقى فى أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها. وبان بهذه الرزية الشنيعة والمصيبة الجليلة النازلة بالأمة من موت نبيها من ثبات نفس الصديق، ووفور عقله ومكانته من الإسلام ما لا مطمع فيه لأحد غيره. وقال سعيد بن زيد: بايعوا الصديق يوم مات النبى (صلى الله عليه وسلم) كرهوا بقاء بعض يوم وليسوا فى جماعة. ذكر ابن إسحاق، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير أن الناس بكوا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين توفاه وقالوا: لوددنا أنا متنا قبله، إنا نخشى أن نفتن بعده. فقال معن بن عدى العجلانى: والله ما أحب أنى مت قبله حتى أصدقه ميتًا كما صدقته حيا. فقتل يوم اليمامة فى خلافة أبى بكر. وقوله: يدبرنا. قال الخليل: دبرت الشىء دبرًا: أتبعته، وعلى هذا قرأ من قرأ: (والليل إذا دبر) يعنى إذا تبع النهار. ودبرنى