عمر: (إن أترك فقد ترك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)) يعنى ترك التصريح والإعلان بتعيين شخص ما وعقد الأمر له، وأما قول عمر: (اسمعوا لخليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)) فمعناه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) استخلف عليهم أبا بكر بالأدلة التى نصبها لأمته أنه الخليفة من بعده، فكان أبو بكر خليفة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؛ لقيام الدليل على استخلافه، ولما كان قد أعلمه الله أنه لا يكون غيره ولذلك قال: (يأبى الله ويدفع المؤمنون) ومن أبين الدليل فى استخلاف أبى بكر قول المرأة للنبى: إن لم أجدك حيا إلى من الملجأ بالحكم؟ فقال (صلى الله عليه وسلم) : (ائت أبا بكر) ولم يكن لبشر من علم الغيب ما كان للنبى (صلى الله عليه وسلم) فى ذلك، فرأى أن الاستخلاف أضبط لأمر المسلمين، وإن لم يوقف الأمر على رجل بعينه؛ لكن جعله لمعينين لا يخرج عنهم إلى سواهم فكان نوعًا من أنواع الاستخلاف والعقد، وإنما فعل هذا عمر وتوسط حالة بين حالتين خشية الفتنة بعده، كما خشيت بعد النبى (صلى الله عليه وسلم) وقت قول الأنصار ما قالوا، فلذلك جعل عمر الأمر معقودًا موقوفًا على الستة؛ لئلا يترك الاقتداء بالنبى (صلى الله عليه وسلم) فى ترك الأمر إلى الشورى مع ما قام من الدليل على فضل أبى بكر وأخذ من فعل أبى بكر طرفًا آخر وهو العقد لأحد الستة ليجمع لنفسه فضل السنتين. وأما قول عمر حين أثنوا عليه: (راغب وراهب، وودت أنى نجوت منها كفافًا) فيحتمل معنيين: أحدهما: راغب فى ثنائه فى حسن رأيى وتقريبى له، وراهب من إظهار ما بنفسه من كراهية. والثانى قوله: راغب يعنى: أن الناس فى هذا الأمر راغب فيه، يعنى فى الخلافة، وراهب منها، فإن وليت الراغب فيها خشيت ألا يعان عليها