يمكن أن يكون ذلك الكلام الذى لا ينتفع به سببًا إلى ما ينتفع به، وأيضًا فإنه إذا لم يترك أن يتكلم بما يريد نسب إليه الخصم أنه جار عليه ومنعه الإدلاء بحجته وأثار على نفسه عداوة، وربما كان ذلك شيئًا لفتنة الخصم، ووجد إليه الشيطان السبيل، وأوهمه أن الجور من الدين. وقوله: صليبًا، يريد الصلابة فى إنفاذ الحق حتى لا يخاف فى الله لومة لائم ولا يهاب ذا سلطان أو ذا مال وعشيرة وليكن عنده الضعيف والقوى، والكبير والصغير فى الحق سواء. وقول الحسن: أخذ الله على الحكام أن لا يتبعوا الهوى ولا يخشوا الناس. وما استشهد عليه من كتاب الله فكل ذلك يدل أن الله تعالى فرض على الحكام أن يحكموا بالعدل، وقد قال عز وجل: (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) [النساء: 85] ، وكذلك فرض عليهم أن لا يخشوا الناس. ولهذا قال عمر بن عبد العزيز فى صفة القاضى أن يكون صليبًا. وقوله: أن يكون عفيفًا. أخذه من قوله تعالى: (ولا تشتروا بآياتى ثمنًا قليلا) [البقرة: 41] . واختلف العلماء فى تأويل قوله تعالى: (فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى) [ص: 26] ، فقالت طائفة: الآية عامة فى كل الناس، وكل خصمين تقدما إلى حاكم فعليه أن يحكم بينهما، وسواء كان للحاكم ولد أو والد أو زوجة، وهم وسائر الناس فى ذلك سواء.