قال البخاري رحمه الله بعد أن استدل بآيات من كتاب الله على عذاب قبر، قال: [أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما].
حينما تقول: أسماء بنت أبي بكر تقول: رضي الله عنهما، عن أسماء وعن أبيها.
[(قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً بين الناس، فذكر فتنة القبر التي يفتتن فيها المرء، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجاً)]، من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخطب الناس خطباً راتبة وخطباً عارضة، والراتبة هي الجمعة، تتكرر في كل أسبوع، وخطبة العيد في كل سنة في الفطر والأضحى، والخطب العارضة هي التي ليس لها صفة الاستمرارية كخطبة الكسوف، فهو يخطب إذا انكسفت الشمس، وخطبة الاستسقاء، وفي حجة الوداع خطب في عرفة وفي يوم النحر، وأيام التشريق صلى الله عليه وسلم أربع أو خمس خطب كما تروي كتب السنة، وكان يخطبهم أحياناً بين الحين والآخر في القبور، وكان متكئاً فجلس، وخط خطاً بيمينه على الأرض ثم بين لأصحابه، وكان يخطب وهو يركب الناقة عليه الصلاة والسلام يعظ من خلفه عليه الصلاة والسلام إلى غير ذلك.
ومن هذه الخطب العارضة أنه قام خطيباً عليه الصلاة والسلام مرة فذكر فتنة القبر، وبين أن المؤمن يفتن في قبره، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون في المسجد خوفاً من عذاب القبر ومن فتنة القبر.
ثم روى البخاري رحمه الله من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه أنه حدثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم).
وفي هذا حجة لمن استدل على أن النعال لا تخلع في المقابر؛ لأن بعض العلماء قالوا: لابد من خلع النعال في المقابر ولهم أدلة، فرد الفريق المخالف واستدل بحديث البخاري وفيه: (أنه يسمع قرع النعال)، وهذا يشير إلى أن الميت يسمع صوت النعال على الأرض.
[(أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان)].
من مات محروقاً أو غريقاً أو في طائرة أو على فراشه كلهم سواء؛ لأن القبر مستقر الروح، فليس شرطاً أن يقبر في الأرض؛ لأن البعض يقول: كيف يسأل من يموت في الهواء؟ لا.
القبر هو المستقر النهائي له، سواء مات في الهواء أو في الأرض.
قال: [(أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله.
فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار)].
يرى مقعده من النار وهو في قبره ويعاين المقعد، ثم يقال له: [(قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، فيراهما جميعاً)].
يعني: يرى مقعده في النار ويرى مقعده في الجنة.
[قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في قبره -ثم رجع إلى حديث أنس -: (وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس.
فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين)].
والحديث دليل على أنه يفتن في قبره، أما المؤمن فيجيب: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم:27] يجيب بثبات، أما المنافق فلا يدري ما يقول، {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]، فتضربه الملائكة ضربة.
قد يقول بعض الناس: مازلتم تحدثون الناس عن عذاب القبر ويهزءون بعذاب القبر، لذلك عذاب القبر من الدين ومن عقيدة المؤمن، ولذا قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً بعذاب القبر، فنحن حينما نتحدث عنه إنما أسوتنا النبي عليه الصلاة والسلام، تجد أن البعض الآن يهزأ من هذا، ويقول: العلماء ليس لهم حديث إلا عذاب القبر والثعبان الأقرع، ويحضرون صورة جمجمة ويهزءون بها، واقع الأمة مرير وهم يتحدثون عن عذاب القبر! يا عبد الله! وظيفة الأنبياء هي الترغيب والترهيب، وبدون الترهيب لا يمكن للمؤمن أن يعمل، فهذا حافز للعمل.