تلازم الكتاب والسنة في الدلالة على الدين وحفظ الله لهما

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد: فلا زلنا مع الإمام البخاري شيخ المحدثين، وطبيب الحديث في علله، في كتابه الجامع الصحيح، ومع كتاب الجنائز، وباب: ما جاء في عذاب القبر.

سبق أن من منهج الإمام البخاري في صحيحه: أنه يستدل بآيات من القرآن الكريم قبل الأحاديث ليجزم بالحكم الذي يريد، فهو قد علم سلفاً أنه سيخرج في الأمة من ينكر عذاب القبر، ويدعي أنه لم يصح فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه من خبر الآحاد الذي يرد، فأراد أن يحسم القضية فجاء بالآيات القرآنية الدالة على عذاب القبر؛ ليبين أن عذاب القبر يثبت بالكتاب قبل السنة، وإن كان الكتاب والسنة هما مصدرا التشريع، والشيخ الألباني -وهذا رأي له اعتباره وقيمته وصحته- يرى أن القرآن والسنة يحتلان المصدر الأول للتشريع، ليس القرآن ثم السنة كما يقول البعض: المصدر الأول القرآن، والمصدر الثاني السنة، إنما القرآن والسنة هما مصدرا التشريع؛ لأن الذي ينظر في الحكم الفقهي ينبغي أن ينظر في القرآن ثم ينظر في السنة؛ لأن السنة تقيد المطلق، وتخصص العام، وتوضح المجمل وقد تنفرد بحكم إلى غير ذلك، ولذلك قال بعض السلف: (حاجة القرآن إلى السنة أكثر من حاجة السنة إلى القرآن)؛ لأن القرآن بلا سنة يصبح كتاباً مبهماً في كثير من جوانبه، مثل: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:43]، كيف؟ من الذي وضح الصلاة؟ السنة، {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] إجمال، فلابد لنا أن ننظر إلى السنة لنعرف كيف نقيم الصلاة، وكيف نؤتي الزكاة، وكيف نحج البيت، فمعنى ذلك: أن السنة تفصل القرآن وتبين مجمله، فلا غنى للقرآن عن السنة بحال، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، والذي ينادي بعزل السنة والاكتفاء بالقرآن في واقع الأمر إنما ينادي بنزع الدين من الأمة؛ لأن القرآن بلا سنة لا معنى له إلا في القليل، ولذلك في السارق يقول الله عز وجل: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} [المائدة:38]، السرقة لها نصاب يوجب القطع، وهناك شروط للسارق حتى يتم القطع، وشروط في المكان المسروق منه، من الذي حدد ذلك؟ إنها السنة، ولذلك يقول ربنا: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، (يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته)، وقوله: (شبعان) يشير إلى أنه من أهل الترف، يأكل ما لذ وطاب (متكئ على أريكته) يشير إلى أنه من أهل الخمول، قابع في بيته لا يسافر إلى طلب العلم ولا لطلب الرزق، وإنما (متكئ على أريكته، يأتيه الأمر من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: ما وجدنا هذا في كتاب الله)، وهذا موجود الآن بيننا، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا إن ما حرم رسول الله مثلما حرم الله، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)، لذلك حفظ الله القرآن والسنة، فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، من كمال حفظ القرآن أن يحفظ الله السنة؛ لأنه بدون حفظ للسنة يضيع القرآن، ومن هنا كان علم الجرح والتعديل، وكان علماء الحديث يقفون للأحاديث الموضوعة والضعيفة بالمرصاد فيبينون الضعيف من الصحيح، وكان ما كان من جهدهم في بيان هذا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015