باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين

قال البخاري رحمه الله: [باب ما يكره من الصلاة على المنافقين والاستغفار للمشركين].

والنفاق المقصود به هنا: النفاق الاعتقادي.

ثم جاء بحديث عمر رضي الله عنه أنه قال: (لما مات عبد الله بن أبي بن سلول)، وعبد الله بن أبي هو رأس المنافقين في المدينة.

وقد ظهر النفاق في المدينة بعد غزوة بدر، فمكة لم يكن فيها نفاق، فقد كان المؤمنون في مكة يؤذون ويضطهدون ويخرجون ويعذبون، ثم بعد غزوة بدر ظهر النفاق في المدينة، وقد حذر ربنا عز وجل من أهل النفاق في القرآن الكريم، وكان عبد الله بن أبي بن سلول رأس النفاق وصاحب حادثة الإفك، وهو الذي قال: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون:8]، ويقصد بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، أي: ليخرج من المدينة الأعز ذليلاً، فلما وصلت هذه الكلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال له ولده عبد الله بن عبد الله رضي الله عنه فابنه صحابي كـ أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط صحابية وأبوها كافر: (يا رسول الله! مرني أن أقتل أبي إن شئت، حتى لا يقتله غيري فأعيّر به فأقتله، فأكون قد قتلت مسلماً بكافر).

فإن أردت أن تقتله فمرني أنا فآتيك برأسه، وهذا ولاء وبراء.

(قال: لا نريد أن نقتله.

قال: يا رسول الله! والله لن يدخلها -أي: المدينة- حتى يعلم من الأعز ومن الأذل).

ثم وقف على باب المدينة إلى أن جاء أبوه، فقال: دعني أدخلها.

قال: لن تدخل المدينة إلا أن تقول: أنا الأذل ورسول الله الأعز.

فقال عبد الله بن أبي: أنا الأذل ورسول الله الأعز، فسمح له بدخولها.

وموقف الابن هنا عزة وكرامة للإسلام، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8].

واليوم العزة والكرامة ضاعت في بلاد المسلمين؛ لأنهم تخلوا عن دينهم وعن عقيدتهم، وقد نشرت جريدة الجمهورية امرأة أمريكية كافرة تشير إلى مقتول عراقي وهي فرحة كأنها حققت نصراً بقتله، {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118].

ففيهم حقد دفين وحسد على الإسلام والمسلمين، {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109].

وهؤلاء لا يمكن أن يرقبوا في مؤمن إلاً ولا ذمة.

وقال بوش في آخر تصريحاته: لن يهدأ لي بال إلا باختفاء اللحية والنقاب من جميع البلاد الإسلامية.

فالأصولية هذه لا بد أن تنعدم، والمظهر الإسلامي يقلق مضجعه؛ لأنه يعرف التاريخ، ويعرف أنه إن استيقظ هذا المارد فسيدخل هو وأتباعه إلى الجحر: فهم كالنمل، {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18].

ولما مات عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه قال عمر: (فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه -أي: أن عمر قفز بين يديه- فقلت: يا رسول الله! أتصلي على ابن أُبي وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا؟ وأعدد عليه قوله، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أخر عني يا عمر! إني خيرت فاخترت) أي: في قول الله سبحانه: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة:80]، (ولو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها).

فالعدد في قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة:80] ليس مقصوداً لذاته ولا مفهوم له، وإنما هو لبيان الكثرة، فالعدد لا مفهوم له إلا في نصوص قليلة توضح أن له مفهوماً.

فهنا لو أن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر له إحدى وسبعين مرة فلن يُغفر له، فالسبعون ليست مقصودة بذاتها، وإنما مقصودة لكثرتها.

(فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف).

وانظروا إلى هذا الحلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى على رجل قال عن زوجته: إنها وقعت في الزنا، وادعى أنه الأعز ورسول الله صلى الله عليه وسلم الأذل، وعاد بثلث الجيش في أحد، وأحدث بين الصحابة ما أحدث، وفعل كذا وكذا في بداية الإسلام.

(فمكث النبي صلى الله عليه وسلم يسيراً فنزلت الآيتان من براءة: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة:84])؛ لأنه مكث على قبره وجلس فوق قبره، وألبسه قميصه وتفل عليه، لعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015