الحديث الثاني: [حديث جندب رضي الله عنه في هذا المسجد فما نسينا وما نخاف أن يكذب جندب على النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال الله: بدرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة)].
فهذا النص يبين أن المنتحر يخلد في جهنم، ولا بد أن نفهم النصوص فهماً صحيحاً، فقد انحرفت فرقة التكفير بأخذ بعض النصوص دون بعض، وكذلك انحرف من خرج على الحكام وأصل للمسائل البدعية بأخذ بعض النصوص دون بعض، ففهم النصوص على غير وجهها هو الذي فرق الأمة.
فقوله: (حرمت عليه الجنة) لها معان عند العلماء: فإما أن يكون حرمت عليه الجنة إن استحل أن يقتل نفسه، وإما أن يكون (حرمت عليه الجنة) ابتداءً، يعني: أنه يدخل النار أول الأمر ولكنه يخرج من النار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال (شفاعتي لأهل الكبائر).
وهذه النصوص تُفهم عند الفرق الضالة أفهاماً عقيمة وشاذة، ومن الفقه في الدين أن تجمع النصوص في المسألة الواحدة، والله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48].
فكل من لم يشرك بالله فهو في مشيئة الله، إلا ما جاء مقيداً ومنصوصاً عليه.
قال البخاري رحمه الله: [حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار)].
أي: أن من قتل نفسه فإنما يقودها إلى النار ويتردى في جهنم، كما قال صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث أيها الأحباب: زجر ووعيد لقاتل نفسه إن استحل ذلك، وأما إن لم يستحل ذلك فيدخل جهنم للتطهير لا للخلود، ومنهج السلف يقول: لا يدخل الجنة مشرك ولا يخلد في النار موحد.
وفي الحديث القدسي: (أخرجوا من النار من قال: لا إله إلا الله، وعمل من الخير ما يزن ذرة، برة، شعيرة).