قال البخاري رحمه الله تعالى: [وما يرخص من البكاء من غير نوح].
[وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها).
وذلك لأنه أول من سن القتل.
] فـ البخاري رحمه الله تعالى قبل أن يأتي بالأحاديث يضع ذلك جميعاً في عنوان الباب؛ ليبين الخلاف في المسألة، وذلك لأن الصحابة قد اختلفوا، فبعضهم قال كأمنا عائشة، وبعضهم كـ عمر رضي الله عنه كان يأخذ الحديث على ظاهره ويمنع البكاء على الميت، والبخاري هنا يبين أن البكاء يجوز ما لم يكن معه اللطم للخدود، أو الشق للجيوب، أو الدعوى بدعوى جاهلية، فالبكاء رحمة من الله عز وجل، وقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف عدة.
وهنا ينبغي للمسلم إذا أصابته مصيبة ألا يسخط وألا يجزع، بل يكون حزنه قلبياً، فلا يظهر على الوجه شيء، وقد يظهر حزنه أحياناً، وذلك كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن جاءه خبر استشهاد زيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وجعفر بن أبي طالب في غزوة مؤتة، فجلس عليه الصلاة والسلام بين أصحابه وهو يبكي، وكذلك حينما قتل من حملة القرآن من قتل، فلم يظهر النبي صلى الله عليه وسلم الحزن.
وأم سليم رضي الله عنها حينما تزينت لزوجها أبي طلحة الأنصاري لما مات ابنها، ووقع عليها رغم أن الولد قد مات، ولم تظهر الحزن رضي الله عنها.
وأما سبب إيراد البخاري رحمه الله تعالى لهذا الحديث: (لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها) في هذا الباب؛ لأن ابن آدم هو أول من سن القتل، يعني: جعله طريقة للناس، فكل من قتل بعد ذلك في ميزان سيئاته والعياذ بالله، وكذلك من سن لطم الخدود وشق الجيوب فذلك في ميزان سيئاته، فإذا جاء بعد موته من يصنع ذلك فيعذب بسبب ذلك.
ولذا فيحزن المسلم عندما يرى أن أهل الفن والطرب قد ماتوا وأفلامهم لا زالت تعرض على الأحياء، فلا يرحمهم الله تعالى بعد موتهم، نسأل الله العافية.
وكم يسعد المسلم عندما يجد أعمالاً صالحة لأحد الناس وهو في قبره، كأن يؤلف كتاباً أو يلقي محاضرة فتسجل له، فيسمعها من جاء بعده، فيأجره الله وهو في قبره.